للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل واحد أمامه عز وجل للحساب على ما عمل، وما اكتسبت يداه في هذه الدنيا.

وهكذا الإنسان: خلق الله أبانا آدم من تراب، ثم جاءت منه الذرية، خلقهم سبحانه من ماء مهين، ثم تحولوا إلى علقة، ثم إلى مضغة، ثم إلى إنسان سوي، له سمع وبصر، وعقل وإدراك وجوارح، ثم يتدرج ويكبر حتى يصير إنسانا عظيما، فيأخذ ويعطي، ويفكر ويتعلم، وينتج.

وإن هذه الآيات العظيمة كلها تدل على قدرة الله عز وجل، وتدل على صدق الرسل في إخبارهم بأن هناك أي في الآخرة مجتمعا لديه سبحانه، يؤيد فيه الحق، ويجزي أهله بأحسن الجزاء، ويدخلهم الجنة، ويقيهم عذاب النار، ويذل أعداءه، ويخلدهم في النار أبد الآباد.

ثم إن كل عاقل في هذه الدار يشاهد من يظلم، ومن تؤخذ حقوقه، ومن يعتدى عليه في ماله وبدنه وغير ذلك، ثم يموت الظالم ولم يرد الحقوق، ولم ينصف المظلوم فهل يضيع ذلك الحق على المظلومين المساكين المستضعفين؟ كلا. . فإن الخالق العظيم الحكيم العليم، حدد للإنصاف موعدا، ذلك الموعد هو يوم القيامة، ينصف فيه المظلوم، الذي لم يعط حقه في الدنيا كاملا من الظالم، فينتقم منه، ويعاقبه بما يستحق.

إن هذه الدار ليست دار جزاء، ولكنها دار امتحان وابتلاء، وعمل وسرور وأحزان وقد ينصف فيها المظلوم فيأخذ حقه فيها، وقد يؤجل أمره إلى يوم القيامة لحكمة عظيمة، فينتقم الله من هؤلاء الظالمين، كما قال سبحانه وتعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (١).

ففي هذا اليوم الرهيب، ينصف الله المظلومين، ويعطيهم جزاءهم، وينتقم لهم من الظالمين، وقد يعجل الله سبحانه للظلمة العقوبات في


(١) سورة إبراهيم الآية ٤٢