للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقد كان الصحابة بنوا لرسول الله دكة من طين يجلس عليها، ليعرفه الغريب إذا دخل المسجد، وكان تعليمه الناس على طريقتين، أولاهما: وهي الأكثر، أن يعلن على حاضري مجلسه من القرآن والتربية الخلقية والمواعظ وأخبار الأنبياء السابقين. والثانية: جوابه عن أسئلة السائلين المسترشدين، وما يدور بينه وبين أصحابه من أطراف الحديث.

وسار الصحابة الكرام سيرته -عليه السلام- في بث العلم في المسجد، ونشر القرآن وإفتاء الناس في ما يقع لهم من أحداث، فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: «كنت أعلم القرآن رجلا من أهل الصفة، فأعطاني قوسا أجاهد بها، فسألت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: إذا كنت تريد أن يطوقك الله بقوس من نار فاقبله»، ولعله -صلى الله عليه وسلم- أراد لعبادة بن الصامت أن يكون تعليمه أخاه لله، دون أجر أو عوض دنيوي. وعن ابن عباس كنت أقري رجالا من المهاجرين، أي القرآن منهم عبد الرحمن بن عوف.

ومن الذين قاموا بمهمة التعليم من أصحاب رسول الله: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، وعائشة أم المؤمنين، وأبو هريرة، وعبد الله بن عباس، وأبو موسى الأشعري، -رضي الله عنهم- أجمعين.

وسار مسلكهم واتبع خطتهم في التعليم من التابعين أمثال: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم مولى عبد الله بن عمر، وابن جريج، ومجاهد، وسعيد بن جبير وكانت مجالسهم العلمية، تعقد بالمساجد.

واستمر الحال على ذلك زمن التابعين، وتابعي التابعين، ففي الموطأ عن أبي بكر بن عبد الرحمن أحد فقهاء المدينة من كبار التابعين أنه كان يقول: من غدا إلى المسجد ليتعلم خيرا أو ليعلمه، ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله، رجع غانما.

ولقد كان الإمام مالك بن أنس يتتبع خطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلقد ورد أنه كان يجلس في أول انتصابه للعلم بالمسجد، وكان موضعه في المسجد النبوي الاسطوانة التي أشرنا إليها سالفا، والمعروفة باسطوانة التوبة.

وتتابعت الدروس بالمساجد في مختلف الأصقاع والأنحاء الإسلامية، قال القاضي عياض اليحصبي السبتي -رحمه الله- في كتابه المدارك: قال القنازعي: دخلت مسجد عمرو بن العاص الفسطاط، وفيه من المجلس المالكية في الفقه والحديث نحو عشرين حلقة.