للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتأسست أول جامعة علمية في العالم، وكانت هي جامعة القرويين بفاس من المملكة المغربية، المبتناة سنة ٢٤٥ هجرية الموافق ٨٥٩ ميلادية، فكانت مركزا للعلوم على اختلاف أنواعها، وتخرج منها العدد العديد من العلماء الأفذاذ، والشيوخ الأجلاء، وبقيت مركزا للإشعاع الإسلامي، ونشر جميع أنواع المعرفة الإنسانية، لا بين المسلمين فحسب، بل كان يقصدها حتى الأجانب المسيحيون، أمثال الراهب " جيربير " الذي تبوأ منصب البابوية وغدا اسمه " سيلفيستر الثاني " و " ملينار " من جامعة " لوفان " " وكيوليوس " من جامعة لندن. . ثم كانوا بعد أساتذة الاستشراق في أوروبا.

فجامعة " القرويين " قامت بدورها في نشر الثقافة الإسلامية وغير الإسلامية من أنواع الثقافات وكانت أساسا مسجدا يقصده المصلون والمتعبدون، والتالون لكتاب الله العظيم، ومن الطريف أن نذكر أن الذي بنى هذه الجامعة القروية أو مسجد القرويين، امرأة صالحة تدعى بأم البنين فاطمة الفهرية، وأنها تحرت كل التحري عندما اشترت أرضه، حتى لا يشوب شراءها حرام، وأنها منذ شرع في بنائه وهي صائمة تقربا إلى الله إلى أن انتهى من بنائه.

لقد ذكرت أن جامعة القرويين أول جامعة علمية في العالم، ودليل على ذلك ما أكده العلامة (دلفان) في كتابه " فاس وجامعتها " (١) فلقد قال: " إن جامعة القرويين تعتبر أول مدرسة في الدنيا.

ويقول " بندلي " إن أقدم جامعة في العالم ليست في أوروبا كما كان يظن بل في أفريقيا وفي مدينة (فاس) بالذات عاصمة بلاد المغرب (العلمية)، وأثبت التاريخ أنه تخرج من هذه الجامعة عشرات ومئات من الطلبة الأجانب من غير المسلمين وعلى رأسهم الراهب " جربيرت " الذي صار فيما بعد البابا " سيلفيستر ". الثاني انتهى ما قاله " بندلي ".

يقول الأستاذ المرحوم علال الفاسي في بحث له عن مهمة علماء المسلمين (٢) ولقد لعب المعهد القروي والمعاهد الدينية الأخرى في المغرب والأندلس دورا هاما في تنقيح المنقول وابتكار المعقول، وفي ذلك الجو نشأ أبطال في المعرفة والفلسفة، أمثال ابن رشد، وابن الطفيل، وابن باجة، وابن حزم، وابن البنا، وابن العربي، وغيرهم من مختلف رجال الفكر الذين نشروا المعرفة وضحوا في سبيلها، وكانوا القناة التي سقت الغرب الأوروبي فأثمر حضارته الحالية.

وقد استخرج صديقنا الدكتور عمر فروخ في رسالته عن ابن باجة بعض المعطيات التي قدمها المفكرون المغاربة للثقافة العربية، وفي مقدمتها سيطرة العقل عند المغاربة، وحسن الإنتاج والابتكار، إلى جودة التنسيق والاختصار ونضيف إلى ذلك أن المغاربة عملوا على توحيد مجتمعهم لا من جهة العقائد ولا من جهة الفروع. . . فتخلصوا


(١) انظر كتاب الثورة الاجتماعية في الإسلام للسيد عبد الحافظ عبد ربه، ص١٦٠.
(٢) مهمة علماء المسلمين صفحة ١٢.