للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبدعة لها عند أهل العلم معنى لغوي ومعنى شرعي اصطلاحي. فالمعنى اللغوي: هو أن يبدع الإنسان وينشئ أمرا لم يكن معهودا له. والبدع كما يقول صاحب اللسان: الشيء الذي يكون أولا (١).

وعليه فلو أن الإنسان كان من عادته ألا يأكل اللحم مثلا، وأكله أخيرا فإنه يعد مبتدعا في اللغة، لأنه عمل عملا وأنشأه على غير عادته، والظاهر أن عمر رضي الله عنه عنى بقوله في صلاة التراويح أو الليل: نعمت البدعة المعنى اللغوي، وذلك لأنه رضي الله تعالى عنه كان من عادته وديدنه أنه يصلي صلاة الليل ومنها التراويح والوتر آخر الليل لا أوله، فلما أمر المسلمين أن يصلوا تلك الصلاة في أول الليل وصلى معهم على خلاف عادته قال: نعمت البدعة يعني في حق نفسه لا أنه عنى البدعة الشرعية، التي قال الشاطبي معناها: أن يحدث أمرا في الشرع على غير مثال (٢). فهي أخص من البدعة اللغوية ومن ظن: أن قول عمر رضي الله عنه من ذلك القبيل فقد أخطأ الصواب ويعجبني ما قاله الشاطبي في قول عمر رضي الله عنه، فهو يقول: فالعلوم الخادمة للشريعة وما كان له أصل في الشرع ليس ببدعة شرعية، ومن سمى ذلك بدعة، فإما على المجاز، كما سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام الناس في ليالي رمضان بدعة، وإما جهلا بجوامع السنة والبدعة، فلا يكون قول من قال ذلك معتدا به ولا معتمدا عليه (٣).

وهذا الذي قاله الشاطبي رحمه الله حق، ولكنني لست معه، في أن عمر رضي الله عنه سمى قيام الناس في ليالي رمضان بدعة.

وإنما كان يعني بقوله هذا نفسه لأنه كان قد خالف عادته وديدنه في أنه يصلي صلاة الليل ومنها الوتر في آخر الليل، وأقره رسول الله


(١) انظر: مادة بدع في اللسان لابن منظور ٨/ ٦.
(٢) انظر: الاعتصام ١/ ٣٦، ٣٧.
(٣) انظر: الاعتصام ١/ ٣٦، ٣٧.