للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من فرق العلماء - رحمهم الله تعالى - فإننا نجد أن تلك الصور هي وقائع لا دليل عليها من نص ولا إجماع ولا قياس جلي، وإنما دليلها المصلحة المرسلة. ولذا فإن ما نقعده: هو أن على المجتهد أن يميز بين كون النظر في هذه الوقائع نظرا سياسيا شرعيا سنده المصلحة، وبين كون النظر فيها قضائيا يلتزم طريق الحكم القضائي وصفته. أي أن النظر في صور دفع الخصومة، إنما يعود إلى تصرفات القاضي باعتباره إماما لا باعتباره قاضيا، وهناك فرق بين التصرفين ليس هذا مكانه، وممن حرر الفرق بين التصرفين القاضيان: الماوردي وأبو يعلى الفراء في كتاب كل منهما المسمى بالأحكام السلطانية. فإذا اتضحت للقاضي هذه القاعدة، فإن له أن يجتهد في صور دفع الخصومة بما تقضى به المصلحة، ويؤيد ضرورة التفريق بين التصرفين - في هذه المسألة - ما يلي:

١ - صرح الفقهاء - أنفسهم -: أن سماع بينة دافع الخصومة إنما كان للمصلحة ولم تسمع بدليل شرعي معين، وكل حكم سنده المصلحة فهو حكم سياسي لا قضائي وعليه: فإن بينة دافع الخصومة هي بينة سياسية لا قضائية.

٢ - أن سماع بينة دافع الخصومة المدعى عليه - باعتبارها بينة قضائية - مخالف لنص: «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (١)» وقاعدة "بينة الخارج مقدمة على بينة الداخل "فإن دافع الخصومة مدعى عليه بقرينة وضع اليد، وبينته بينة الداخل باعتبار


(١) سنن الترمذي الأحكام (١٣٤١).