للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الراكب (١)». وقد جعلنا الله عز وجل إخوانا، وحرم علينا أموالنا ودماءنا، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًًا} (٢) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (٣)، فعزل علي بن أبي طالب أبا موسى عن الكوفة (٤)، وكان قد أقره قبل ذلك، بينما عزل غيره من عمال عثمان (٥). .

واعتزل أبو موسى الفتنة الكبرى، ولكنه لم يفارق عليا، ولم يغادر الكوفة إلى مكان آخر، بل بقي مع علي وفي ظله وسلطته، مقرا له بالخلافة، ولكنه لا يقاتل مسلما ولا يرضى بقتل مسلم، فاعتزل الفتنة كما اعتزلها غيره من كبار الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر بن الخطاب وأسامة بن زيد حب رسول الله وابن حبه ومحمد بن مسلمة، وهذا هو سر اعتزال أبي موسى: لا يقتل مسلما، ولا يرضى بقتل مسلم.

لقد كان أبو موسى، يحرص أشد الحرص، على إخماد نيران الفتنة بين المسلمين، فدم المسلم على المسلم حرام، وهو يريد أن تكون سيوف المسلمين على أعدائهم لا عليهم، وأن يكون المسلمون إخوة في الله، يحب الأخ لأخيه ما يحبه لنفسه. ولست أشك في أنه كان يعمل لآخرته أكثر مما كان يعمل لدنياه، وكان راغبا عن الفتنة كارها لقتال المسلمين، وكانت حجته الواضحة لتسويغ موقفه الجازم الحازم الصلب الذي لا يتزعزع عنه قيد أنملة، هو أنه لا يمكن أن يقاتل قوما يؤمنون بالله ورسوله، وأن السبيل


(١) سنن الترمذي الفتن (٢١٩٤)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٦٩).
(٢) سورة النساء الآية ٢٩
(٣) سورة النساء الآية ٩٣
(٤) ابن الأثير (٣/ ٢٣١) وأسد الغابة (٣/ ٢٤٦).
(٥) اليعقوبي (٢/ ١٥٥)