للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد قدم الأحنف بن قيس التميمي (١) على عمر بن الخطاب في أهل البصرة فجعل عمر يسألهم رجلا رجلا، والأحنف لا يتكلم، فقال له عمر: "ألك حاجة؟ " فقال: "بلى يا أمير المؤمنين! إن مفاتيح الخير بيد الله، وإن إخواننا من أهل الأمصار نزلوا منازل الأمم الخالية بين المياه العذبة والجنان الملتفة، وإنا نزلنا أرضا نشاشة (٢) لا يجف مرعاها، ناحيتها من قبل المشرق البحر الأجاج، ومن ناحية المغرب الفلاة العجاج، فليس لنا زرع ولا ضرع، تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مري النعامة، يخرج الرجل الضعيف منا فيستعذب الماء من فرسخين، والمرأة كذلك فتربق (٣) ولدها ربق العنز تخاف بادرة العدو وأكل السبع؛ فإلا ترفع خسيستنا وتجبر فاقتنا، نكن كقوم هلكوا"، فألحق عمر ذراري أهل البصرة في العطاء، وكتب إلى أبي موسى يأمره أن يحفر لهم نهرا، فذكر جماعة من أهل العلم أن دجلة العوراء، وهي دجلة البصرة، كانت خورا (٤)، والخور طريق للماء لم يحفره أحد، تجري إليه الأمطار ويتراجع ماؤها فيه عند المد وينضب في الجزر، وكان يحده مما يلى البصرة خور واسع كان يسمي في الجاهلية: الإجانة، وتسميه العرب في الإسلام: خزاز، وهو على مقدار ثلاثة فراسخ من البصرة، ومنه يبتدئ النهر الذي يعرف اليوم بنهر الإجانة.

فلما أمر عمر أبا موسى بحفر نهر، ابتدأ بحفر نهر الإجانة، ففأره (٥) ثلاثة فراسخ، حتى بلغ به البصرة (٦). وكان أهل البصرة قبل حفر هذا


(١) انظر سيرته في: قادة بلاد فارس (٢١٧ - ٢٤٦).
(٢) نش الشيء: جف وذهب ماؤه. ونشاش هو، وهي نشاشة. ويقال سبخة نشاشة: لا يجف ثراها ولا ينبت مرعاها.
(٣) ربقه: ربط بالربق. والربق: حبل ذو عرى، والحبل، والخيط.
(٤) الخور: مصب الماء في البحر، والمنخفض من الأرض بين مرتفعين، والخليج.
(٥) فأر فلان: حفر حفر الفأر.
(٦) معجم البلدان (٨/ ٣٣٤).