ولكن إذا افترضنا أن هذه الأنهار الثلاثة هي كل ما حفره أبو موسى في سني ولايته على عهد عمر، وأنه لم يحفر أنهارا إضافية بعد عمر لسبب أو لآخر، فإن حفر ثلاثة أنهار ليس قليلا، وبخاصة إذا تذكرنا الوسائل البدائية المستعملة أيام أبي موسى بالحفر، وأن القادرين على الحفر في شغل شاغل عن الحفر بالجهاد والفتوح.
وكان من ثمرات نشاط أبي موسى في حفر الأنهار، أن البصرة أصبحت مصدرة للطعام إلى المسلمين المحتاجين إليه، واكتفى المسلمون ذاتيا بما لديهم، ولم يبقوا محتاجين إلى استيراد الطعام من الأجانب، فلا شيء بلا ثمن، وثمنه الضغط السياسي كما هو معلوم، كما كان يمارسه الأجانب على العرب في الجاهلية، وبخاصة في سنوات القحط والجفاف.
ولم يكن أبو موسى متفرغا للقضايا الإدارية في البصرة، بل كان مسئولا مسئولية مباشرة عن الجهاد والفتوح بما فيه حشد الرجال وقيادتهم فالأمير يومها إداري قائد.
فقد تولى البصرة سنة سبع عشرة الهجرية لعمر، فحشد الرجال بأمر عمر لفتوح المشرق، فشاركوا في فتح رامهرمز، بقيادة أحد قادته المرءوسين، ثم شهد فتح تستر قائدا لمجاهدي البصرة، فلما فتحت المدينة انصرف أبو موسى إلى البصرة.
وبقي سنة ثماني عشرة الهجرية وتسع عشرة الهجرية وعشرين الهجرية يحشد الرجال لفتوح أرض فارس في المشرق، وفي سنة إحدي وعشرين شهد معركة نهاوند وهي معركة فتح الفتوح، على أهل البصرة، فلما فتح المسلمون نهاوند، انصرف أبو موسى ففتح الدينور صلحا وسيروان صلحا أيضا، ووجه أحد رجاله ففتح الصميرة مدينة مهرجان قذق صلحا. كما شارك أبو موسى في هذه السنة، أي سنة إحدى وعشرين الهجرية في فتح أصبهان، كما فتح قم وقاشان قبل عودته إلى البصرة.
ونقل أبو موسى إلى الكوفة سنة اثنتين وعشرين الهجرية، فبقي فيها عاما أو بعض عام، ثم أعيد سنة اثنتين وعشرين الهجرية أيضا إلى البصرة.