للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي سنة ثلاث وعشرين الهجرية، شارك أبو موسى في فتح شيراز وأرجان وسينيز، واستعاد فتح مدينة سابور سنة ست وعشرين الهجرية على عهد عثمان.

لقد فتح أبو موسى الأهواز والسوس وأصبهان والدينور وماسبذان وسيروان وقم وقاشان، وشارك في فتح تستر ونهاوند، واستعاد فتح سابور.

ويتضاعف إعجابنا بأبي موسى وتقديرنا لنشاطه في خدمة الإسلام والمسلمين، إذا ذكرنا فتوحه الواسعة إلى جانب أعماله الإدارية، فنحير بأيهما نكون أكثر إعجابا: بأعماله العسكرية، أم بأعماله الإدارية.

وما يخطر على البال هو: كيف تيسر له الوقت الكافي للنهوض بكل هذه الأعمال الكبيرة؟! لقد كان أبو موسى حصيفا في إدارته وقيادته، ويتمتع بعقلية متزنة وفكر صائب ورأي سديد، يدلنا على ذلك ما رواه عنه طارق بن شهاب البجلي قال: "أتينا أبا موسى، وهو بداره بالكوفة لنتحدث عنده، فلما جلسنا قال: لا عليكم أن تخفوا، فقد أصيب في الدار إنسان بهذا السقم، ولا عليكم أن تنزهوا عن هذه القرية، فتخرجوا في فسيح بلادكم ونزهها حتى يرفع هذا الوباء. سأخبركم بما يكره مما يتقى، من ذلك أن يظن من خرج أنه لو أقام مات، ويظن من أقام فأصابه ذلك لو أنه خرج لم يصبه فإذا لم يظن هذا المرء المسلم فلا عليه أن يخرج، وأن يتنزه عنه (١) "، فهو يفسح المجال للابتعاد عن المرض والأخذ بالوسائل، مع الثقة المطلقة بقضاء الله عز وجل وقدره.

ومما يدل على عقليته المتزنة الراجحة، بقاؤه في البصرة والكوفة بدون مشاكل خطيرة مع أهل هذين البلدين، وقد كان لهما مشاكل - وبخاصة الكوفة - مع من سبق أبا موسى في ولايتهما ومع من لحقه أيضا كما هو معروف.


(١) الطبري (٤/ ٦٠) وابن الأثير (٢/ ٥٥٨).