للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صكة، فنفرت، فصارت إلى ما ترى فقال: "استغفر ربك، ظلمت عينك، إن لها أول نظرة، وعليك ما بعدها (١) "، يريد الابتعاد عن إمعان النظر في أعراض الناس خوف الفتنة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

وقال أبو بردة بن قيس أخو أبي موسى: "قلت لأبي موسى الأشعري في طاعون وقع: اخرج بنا إلى وابق (٢) نبدو (٣) بها، فقال أبو موسى: "إلى الله آبق (٤)، لا إلى وابق (٥) "، فهو متوكل على الله وهو حسبه، والتوكل مزية من مزايا الورع، والورع حال من أحواله.

وطالما أتحف الناس من حوله بوعظه ومواعظه في دروسه وخطبه، فمن خطبه في البصرة قوله: "أيها الناس، ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع، ثم يبكون الدماء حتى لو أجري فيها السفن لسارت" (٦)، يريد أن يخوفهم من أهوال النار ليشجعهم على العمل الصالح الذي يدخلهم الجنة.

وجمع أبو موسى القراء يوما، فقال: "لا تدخلوا علي إلا من جمع القرآن "، فدخل عليه زهاء ثلاثمائة من القراء، فوعظهم قائلا: "أنتم قراء أهل البلدة فلا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم كما قست قلوب أهل الكتاب " (٧)، فقد نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم، لما تطاول عليهم الأمد، بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء


(١) حلية الأولياء (١/ ٢٦١).
(٢) وابق: لم أجد لها ذكرا في معجم البلدان، ويبدو أنها اسم موضع في البادية القريبة.
(٣) نبدو: نخرج إلى البادية.
(٤) أبق: هرب، فهو آبق وأبوق.
(٥) طبقات ابن سعد (٤/ ١١١).
(٦) طبقات ابن سعد (٤/ ١١٠).
(٧) حلية الأولياء (١/ ٢٥٧).