للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المختلفة والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد (١)، فهو يشير بموعظته إلى الآية الكريمة: {كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (٢).

ومن مواعظه قوله: "تخرج نفس المؤمن وهي أطيب ريحا من المسك، فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء، فيقولون: من هذا معكم؟ فيقولون: فلان، ويذكرونه بأحسن عمله، فيقولون: حياكم الله وحيا من معكم، فتنفتح له أبواب السماء، فيشرق وجهه، فيأتي الرب عز وجل ولوجهه برهان مثل الشمس. وأما الآخر، فتخرج روحه وهي أنتن من الجيفة، فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتلقاهم ملائكة دون السماء، فيقولون: من هذا معكم؟! فيقولون: فلان، ويذكرونه بأسوأ عمله، فيقولون: ردوه فما ظلمه الله شيئا " (٣)، وقرأ أبو موسى: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (٤).

وصلى أبو موسى يوما، ثم خرج إلى الناس، فقال: "يا أيها الناس! إنكم اليوم في زمان للعامل فيه لله تعالى أجر، وسيكون بعدكم زمان يكون للعامل فيه لله تعالى أجران (٥) "، يريد: أنكم من التابعين قريبون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ورأيتم قسما من أصحابه، فأنتم متأثرون بذلك فلكم أجر واحد، لأن ظروفكم أفضل من زمان يدب إليه الفساد، فيكون للعامل فيه أجران، لقلة العاملين، وسوء ظروفهم، وفساد الناس.


(١) تفسير ابن كثير (٨/ ٢٣٢ - ٢٣٣).
(٢) سورة الحديد الآية ١٦
(٣) حلية الأولياء (١/ ٢٦٢).
(٤) سورة الأعراف الآية ٤٠
(٥) حلية الأولياء (١/ ٢٦٤).