للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكثيرا ما كان يعتمد الأسلوب القصصي في مواعظه، ليعمق تأثيرها في العقول والنفوس معا، فلما حضرته الوفاة قال: "يا بني! اذكروا صاحب الرغيف! كان رجل يتعبد في صومعة إزاء سبعين سنة، لا ينزل إلا في يوم واحد فشبه الشيطان في عينه امرأة، فكان معها سبعة أيام أو سبع ليال، ثم كشف عن الرجل غطاؤه فخرج تائبا، فكان كلما خطا خطوة صلى وسجد. فآواه الليل إلى دكان كان عليه اثنا عشر مسكينا، فأدركه العياء، فرمى بنفسه بين رجلين منهم، وكان ثم راهب يبعث إليهم كل ليلة بأرغفة، فيعطي كل إنسان رغيفا، فجاء صاحب الرغيف فأعطي كل إنسان رغيفا، ومر على ذلك الرجل الذي خرج تائبا، فظن أنه مسكين، فأعطاه فقال المتروك لصاحب الرغيف: ما لك لم تعطني رغيفي ما كان بك عنه غنى؟ فقال: أتراني أمسكته عنك، والله لا أعطيك شيئا، فعمد التائب إلى الرغيف الذي دفعه إليه، فدفعه إلى الرجل الذي ترك، فأصبح التائب ميتا، فوزنت السبعون سنة. . بالسبع الليالي، فرجحت السبع الليالي، ثم وزنت السبع الليالي بالرغيف، فرجح الرغيف! فيا بني! اذكروا صاحب الرغيف! " (١).

ومن أقواله: "ومن ينتظر من الدنيا، إلا كلا محزنا، أو فتنة تنتظر (٢) "، في وصف الدنيا التي لا تأتي إلا بالمصائب والأحزان، ولا يجدي معها إلا الصبر الجميل.

ولا يمكن التخلي عن فقرة ورعه، دون تذكر موقفه من الفتنة الكبرى واعتزاله القتال دون أن يتخلى عن علي بن أبي طالب لأنه الخليفة، ولا عن الكوفة لأنها مقر الخلافة، فكان ولاؤه لعلي في كل شيء إلا القتال، لأن الاقتتال كان بين المسلمين، وورعه يحول دون أن يقاتل مسلما أو يقتل


(١) حلية الأولياء (١/ ٢٦٣) وصفة الصفوة (١/ ٢٢٧ - ٢٢٨).
(٢) حلية الأولياء (١/ ٢٦٠).