للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكثر من سنة، إلا أبا موسى فليقر أربع سنين (١) ". كما كان موضع ثقة الناس به. وقد يكون أول عامل اختاره الناس عاملا على بلدهم بعد أن رفضوا استقبال عاملهم السابق، وحملوا الخليفة على توليته عليهم وإعفاء عاملهم الذي كان قبله.

والقول بأن المناصب تولى لذوي الكفايات العالية، بحيث يكون الرجل المناسب في المنصب المناسب، قول لا غبار عليه، يتفق اتفاقا كاملا مع ما كان عليه الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده.

ولكن هذا القول لا يغني عن كل قول، فالواقع أن الذي يولى لا بد أن يتيسر فيه شرطان: الكفاية العالية، والورع المطلق، فلا بد من أن يكون الوالي ذا كفاية وورعا.

وهذان الشرطان في أبي موسى، هما اللذان جعلاه موضع ثقة رؤسائه ومرءوسيه في وقت واحد، ولم ييسرا له النجاح في واجباته الكثيرة المتشابكة فحسب، بل يسرا له التميز في النجاح.

وقد ذكرنا ما فيه الكفاية عن كفاية أبي موسى في الحديث عن أبي موسى: الإدراي، وبقي أن نتحدث عن ورع أبي موسى بإيجاز شديد، بعد أن تحدثنا على أدلة ذلك الورع الأصيل.

إن الورع درجات، أعلاها هو أن يطبق الورع على نفسه أولا أحوال الورع، وأن يأمر به غيره من الناس ويكون مثالا شخصيا يقتدى به في اقتباس أحوال الورع، وأن يكون مستعدا أن يضحي بكل ما يملك من غال ونفيس من أجل ورعه، ولا يضحي بورعه من أجل ما يملك من غال ونفيس.

ذلك هو الورع في أعلى درجاته، وهذا هو ما طبقه أبو موسى على نفسه حاكما ومحكوما، ورئيسا ومرءوسا، وقائدا وجنديا، ومرشدا وقاضيا،


(١) البداية والنهاية (٨/ ٦٠).