للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعقد فصلا عن البدع المادية في المساجد كزخرفتها وإنفاق الأموال على تزيينها، ونقل عن بعض العلماء قوله في هذا الشأن " إنكم تبذلون أموالكم لإحالة الدين إلى العبادات الصورية كما حصل في إشراك كل الأمم السابقة التي اعتاضت عن جمال العقيدة بجمال جدران المعابد، وعن نور الإيمان بأنوار الهياكل، حتى جعلوا شعائر الدين أشبه باحتفالات الولائم وأقرب لاجتماعات المآدب لشدة ما تلتهي الأذهان بالنقوش والزخارف " وتحدث عن تنوير المساجد في الأشهر رجب وشعبان ورمضان، وعن زيادة التنوير ليلة أول جمعة من رجب وفي ليلة النصف من شعبان وما يفعله الناس في الليلة من نشر فضائلها وقراءة الأدعية فيها وبخاصة دعاؤها المشهور وهو لم يرد من طريق صحيح ويتضمن بعض الأحاديث الموضوعة، وروي عن زيد بن أسلم قوله ما أدركنا أحدا من مشايخنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان ولا يرون لها فضلا عن سواها، وقيل لابن أبي مليكة إن زيادا النميري يقول: أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر. فقال: لو سمعته وبيدي عصا لضربته، ومنها الزيادة في تنوير المساجد في رمضان ولم يكن ذلك من فعل السلف مع ما فيه من السرف وإضاعة المال، خاصة وأنه من مال الوقف الذي لا يختلف أحد في منعه ولو شرطه الواقف.

وعقد فصلا عن الأدعية والأذكار والقصص في المساجد، إذ يقوم المنشدون في المسجد فينشدون القصائد الملحونة والموشحات المحرفة بأنغام منوعة تتخللها زعقات مزعجة وصيحات مهولة بأدعية وأذكار مختلفة، ثم يرقصون بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، معتقدين أن ذلك من صالح الأعمال، ويضربون بالدف وغيره من آلات، وهذا كله من المنكرات والضلالات، ويستحق فاعله الطرد والتأديب لأنه استخف بما أمر الله بتعظيمه، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} (١) وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن رفع الصوت في المسجد ولو بالذكر والقراءة ونهى عن إنشاد الضالة فيه. وورد في الحديث: «من رأيتموه ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا وجدتها ثلاث (٢)» وحمل الإمام الشافعي -رضي الله عنه- أحاديث الجهر على من يريد التعليم والوعظ والإرشاد، ومنها الاحتفال بقراءة قصة المولد النبوي في ربيع الأول والاجتماع لها وما يحدث في هذا الاجتماع من المخالفات والاختلاط والمنكرات مع عدم صحة القصة، وقد عد ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذا العمل من البدع التي لم يستحسنها السلف ولم يفعلوها، ومنها ما يفعله كثير من الناس من الجلوس في المسجد على شكل حلقات والتحدث فيها بأمور الدنيا، وقد ورد في الحديث الصحيح: «إنه يأتي على الناس زمان يحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا وليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم».

ومنها جلوس جماعة القصاص في المساجد في حلقات كحلقات الدروس ويعظون الناس ويمزحون كلامهم بالبدعة ويكذبون في إيراد الأحاديث الموضوعة والأخبار المزيفة ويأتون بالعجائب التي يبرأ منها الدين وينكرها


(١) سورة النور الآية ٣٦
(٢) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (٥٦٨)، سنن الترمذي البيوع (١٣٢١)، سنن أبو داود الصلاة (٤٧٣)، سنن ابن ماجه المساجد والجماعات (٧٦٧)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٤٩)، سنن الدارمي الصلاة (١٤٠١).