وبحر ودرر. قال: واستفيد منه جواب حادثة الفتوى، وهي أن زيدا ترك دعواه على عمرو مدة خمس عشرة سنة ولم يدع عند القاضي بل طالبه بحقه مرارا في غير مجلس القاضي، فمقتضى ما مر لا تسمع لعدم شرط الدعوى فليكن على ذكر منك؛ فإنه تكرر السؤال عنها وصريح فتوى شيخ الإسلام علي أفندي أنه إذا ادعى عند القاضي مرارا ولم يفصل القاضي الدعوى ومضت المدة المزبورة تسمع؛ لأنه صدق عليه أنه لم يتركها عند القاضي اهـ. ما في المجموعة، وبه أفتى في الحامدية.
ثم لا يخفى أن ترك الدعوى إنما يتحقق بعد ثبوت حق طلبها، فلو مات زوج المرأة أو طلقها بعد عشرين سنة مثلا من وقت النكاح، فلها مؤخر المهر؛ لأنه حق طلبه إنما ثبت لها بعد الموت أو الطلاق لا من وقت النكاح، ومثله ما يأتي فيما لو أخر الدعوى هذه المدة لإعسار المديون، ثم ثبت يساره بعد هاوية يعلم جواب حادثة الفتوى، سئلت عنها حين كتابتي لهذا المحل، في رجل له دكان وقف مشتمل على منجور وغيره وضعه من ماله في الدكان بإذن ناظر الوقف نحو أربعين سنة، وتصرف فيه هو وورثته من بعده في هذه المدة، ثم أنكر الناظر الآن وأنكر وضعه بالإذن، وأراد الورثة إثباته وإثبات الإذن بوضعه.
والذي ظهر لي في الجواب سماع البينة في ذلك؛ لأنه حيث كان في يدهم ويد مورثهم هذه المدة بدون معارض لم يكن ذلك تركا للدعوى، ونظير ذلك ما لو ادعى زيد على عمرو بدار في يده، فقال له عمرو: كنت اشتريتها منك من عشرين سنة وهي في ملكي إلى الآن وكذبه زيد في الشراء فتسمع بينة عمرو على الشراء المذكور بعد هذه المدة؛ لأن الدعوى توجهت عليه الآن وقبلها كان واضع اليد بلا معارض، فلم يكن مطالبا بإثبات ملكيتها فلم يكن تاركا للدعوى.
ومثله فيما يظهر أن مستأجر دار الوقف يعمرها بإذن الناظر وينفق عليها مبلغا من الدراهم يصير دينا له على الوقف، ويسمى في زماننا مرصدا ولا يطالب به ما دام في الدار، فإذا خرج منها فله الدعوى على الناظر بمرصده المذكور وإن طالت مدته حيث جرت العادة بأنه لا يطالب به قبل خروجه، ولا سيما إذا كان في كل سنة يقتطع بعضه من أجرة الدار فليتأمل.