للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا ينسخ إلا بقرآن، وليس في القرآن نسخ كذلك ولا في السنة، فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم أو بقول صحابي أو غيره؟! على أنهم لا يرون قول الصحابي حجة يترك لها قياس، فكيف يتركون به القرآن والسنة؟!. قال الزهري: لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة، على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة، فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهم، وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم، فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا، وكذلك جميع الأصناف، إذا عدم منهم صنف في بعض الزمان سقط حكمه في ذلك الزمن خاصة، فإذا وجد عاد حكمه كذا هنا. اهـ (١).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردا على القائلين بسقوط سهم المؤلفة قلوبهم على سبيل النسخ قال:

وما شرعه النبي صلى الله عله وسلم شرعا معلقا بسبب، إنما يكون مشروعا عند وجود السبب، كإعطاء المؤلفة قلوبهم، فإنه ثابت بالكتاب والسنة، وبعض الناس ظن أن هذا نسخ؛ لما روي عن عمر أنه ذكر أن الله أغنى عن التأليف، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وهذا الظن غلط، ولكن عمر استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم، فترك ذلك؛ لعدم الحاجة إليه، لا لنسخه، كما لو فرض أنه عدم في بعض الأوقات ابن السبيل والغارم ونحو ذلك. اهـ (٢).

وذهب بعض أهل العلم إلى القول بانتهاء سهم المؤلفة قلوبهم إلى الانقطاع على سبيل النسخ؛ لعزة الإسلام ومنعته وقوة المسلمين وانتفاء العلة الموجبة لإعطائهم، وهذا هو المشهور في المذاهب الثلاثة الحنفي والمالكي والشافعي، وننقل نصا من بدائع الصنائع للكاساني يمثل وجهة نظر القائلين بذلك، قال في البدائع:


(١) المغني ج٤ ص١٢٤ - ١٢٥ مطبعة هجر للطباعة والنشر، القاهرة.
(٢) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج٣٣ ص٩٤.