ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كلام في رد القول بنسخ القرآن لغيره حتى لو كان الناسخ سنة، يحسن بنا إيراده قال رحمه الله:
ومما يدل على المسألة أن الصحابة والتابعين الذين أخذ عنهم علم الناسخ والمنسوخ، إنما يذكرون نسخ القرآن بقرآن، لا يذكرون نسخه بلا قرآن بل بسنة، وهذه كتب الناسخ والمنسوخ المأخوذة عنهم، إنما تتضمن هذا، وكذلك قول علي رضي الله عنه للقاضي: هل تعرف الناسخ من المنسوخ في القرآن؟
فلو كان ناسخ القرآن غير القرآن لوجب أن يذكر ذلك أيضا. وأيضا الذين جوزوا نسخ القرآن بلا قرآن من أهل الرأي والكلام، إنما عمدتهم أنه ليس في العقل ما يحيل ذلك، وعدم المانع الذي يعلم بالعقل لا يقتضي الجواز الشرعي، فإن الشرع قد يعلم بخبره ما لا يعلم بالعقل وقد يعلم من حكمة الشارع التي علمت بالشرع ما لا يعلم بمجرد العقل؛ ولهذا كان الذين جوزوا ذلك عقلا مختلفين في وقوعه شرعا.
وأيضا فإن الناسخ مهيمن على المنسوخ قاض عليه مقدم عليه، فينبغي أن يكون مثله أو خيرا منه كما أخبر بذلك القرآن؛ ولهذا لما كان القرآن مهيمنا على ما بين يديه من الكتاب بتصديق ما فيه من حق وإقرار ما أقره ونسخ ما نسخه، كان أفضل منه، فلو كانت السنة ناسخة للكتاب لزم أن تكون مثله أو أفضل منه.
وأيضا فلا يعرف في شيء من آيات القرآن أنه نسخه إلا قرآن، والوصية للوالدين والأقربين منسوخة بآية المواريث كما اتفق على ذلك السلف. اهـ (١).
وذكر مكي بن أبي طالب في كتابه "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" أقسام النسخ التي ذكرها أهل العلم ومنها نسخ القرآن بالإجماع. فقال:
(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج١٧ ص١٩٧ - ١٩٨.