وبناء على أن حكم سهم المؤلفة قلوبهم محكم لم يتناوله نسخ ألبتة، وحيث إن المعنى المقتضي للتأليف هو حاجة الإسلام والمسلمين إلى الوقوف بجانبهم والتضامن معهم وشد أزر من أسلم حديثا أو لم يسلم، إلا أنه مطاع في قومه ومجتمعه، فمتى وجدت هذه الحاجة، كان الحكم في إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة حكما قائما ومقتضيا، ومتى انتفت الحاجة إلى ذلك كما حصل في عهد عمر رضي الله عنه ومن جاء بعده من الخلفاء والملوك، انتفى وجود من يستحق التأليف، أشبه انتفاء وجود فقراء أو مساكين أو ابن سبيل أو غيرهم ممن نصت آية الصدقة على حصرها فيهم، ولم يكن ذلك الانتفاء منهيا لأحكام استحقاقهم في الزكاة، متى وجد الوصف المقتضي للاستحقاق.
ونظرا إلى أن المسلمين الآن متفرقون في أنحاء المعمورة، وهم يختلفون في بلدانهم قوة وضعفا، وقد تمثل كل فئة منهم مجتمعا إسلاميا مستقلا، له خصائصه ومزاياه قوة وضعفا وسيادة وتسيدا، فإن القول بقيام مقتضى تأليف القلوب بصرف جزء من الزكاة لذلك المعنى قول تقتضيه مصلحة المسلمين وواقع معايشهم، لا سيما فيما بين كل مجتمع من المجتمعات الإسلامية.
ولهذا فإن حكم سهم المؤلفة قلوبهم من أهل الزكاة باق بقاء شريعة الله في أرضه، يرتفع بارتفاع مقتضيه، وهو انتفاء الحاجة إلى التأليف؛ لقوة المسلمين وعزتهم وسمو مقامهم، ويبقى ذلك الحكم ببقاء مقتضيه وموجبه، وهو الحاجة إلى إعزاز المسلمين؛ لوجود جوانب ضعف فيهم، في أي بقعة من أرض الله عليها مسلمون.
ولا شك أن أحوال المسلمين في كافة أنحاء المعمورة تقتضي النظر فيما فيه تمكينهم واحترامهم وتقوية كيانهم، والأخذ بأسباب اعتبارهم مجتمعا إنسانيا، تهدف قواعد وجوده إلى احترام الإنسان، واحترام وسائل تمتعه بما هيأ الله له من أسباب المعيشة بهناء، والتعايش بإخاء، والتعاون على البر والتقوى. .