للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورعاية مصالحهم، كما ندرك هذا من النص الكريم: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (١).

فالبشر يعتريهم القصور، وتكثر المداخل عليهم وعلى أعمالهم، وينقصهم بعد النظرة، أما ما يشرعه الله - وهو سبحانه أرأف بعباده من الأم بولدها - فلا اختلاف فيه ولا تباين مع الأزمنة والأشخاص، ولا مع اختلاف البيئات والمتطلبات كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (٢).

وهذا سر من أسرار عالمية الإسلام، إذ رغم أن أنظمة البشر ووجهات نظرهم في كثير من الأمور قد تبدلت باختلاف الأمم، وتعاقب العصور، إلا أن ما شرعه الله من حدود وزواجر، وما نظمته الشريعة من جزاءات وعقوبات، فإنها قد ثبتت سلامتها في تقويم النفوس، حيث تتلاءم مع الطباع السليمة، ونجحت في حماية المجتمعات من الفوضى، فلم تكن وقتية تتلاءم مع أمة دون أمة، أو تصلح لبلد دون بلد.

ذلك أن التركيب الغريزي للنفس البشرية واحد: طبعا وتهذيبا، وتأثيرا واستجابة، كما أن الماء منذ أن خلقه الله واحد في تركيبه، وفائدته، وحاجة الجسم إليه.

والله سبحانه وتعالى هو الخالق للبشر، العالم بطبائعهم، وهو جل وعلا الذي شرع لهم الواجبات ليتبعوها، ويتعبدوه بها، وحد الحدود لئلا ينتهكوها، ويعصوه باقترافها، وبين سبحانه المحرمات حتى لا يقعوا فيها وسكت عن أشياء رحمة بعباده غير نسيان، فيجب عدم الإلحاف بالسؤال عنها؛ حتى لا يقع التشديد على الأمة، حسبما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك أمته؛ لئلا يحل بها ما حل بالأمم السابقة.


(١) سورة المائدة الآية ٣
(٢) سورة النساء الآية ٨٢