والدارسون لأثر الشريعة الإسلامية في مكافحة الجريمة، من أبناء الغرب أدركوا ما اشتملت عليه أوامر الإسلام ونواهيه، من حواجز تحمي النفوس من المصائب، وتحيطها به عن التردي إلى أوحال الجريمة، وما ينجم عن ذلك من الإضرار بالأفراد والمجتمعات، فقال أحدهم في مؤتمرات الاستشراق: لو طبق المسلمون تعاليم دينهم، وحرصوا عليها عملا، فإن دور الشرطة والمحاكم والسجون ستغلق؛ لأنه لن يبقى لها عمل، وبذلك يوجد المجتمع الصالح الذي رسم الإسلام معالمه، وتتشوق لمثله شعوب الأرض، وسوف تنساق أوروبا بأكملها للإسلام، وبمثل هذا المفهوم قال الشاعر العربي:
لو أنصف الناس استراح القاضي ... وجنح الجميع للتراضي
وما ذلك إلا أن تعاليم الإسلام قد جاءت لمداخل الجريمة بتعليمات تسد منافذها، فالأموال والأعراض والنفوس هي وسائل يطمع بواسطتها بعض الناس للتعدي على بعض، والتسلط عدوانا وبغيا، رغبة في الاستئثار أو التكبر أو الظلم، فجاء تنظيم مداخلها ومخارجها في شرع الله الذي شرع لعباده، ورسم المنهج الذي يجب أن تلتزم به النفس المعتدلة، حتى لا يبغي أحد على أحد، وحتى لا يتسلط قوي على ضعيف، رحمة من الله بعباده، وإحسانا منه إليهم. ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الحدود صادرة عن رحمة الخلق، وإرادة الإحسان إليهم، وينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم. . . والرحمة بهم، كما يقصد الوالد لتأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض (١)، فالقسوة هنا ليست ظلما، ولكنها عدل ورأفة؛ لأن الأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع.
ذلك أن الأموال التي هي محك النفوس، ومنزلة الترابط والتآخي في المجتمع، قد تولى الله جل وعلا تقسيمها بين الناس، وأبان مداخلها