للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما عد من شروط المنسوخ أن يكون غير متعلق بوقت معلوم لا يعلم انتهاء وقت فرضه إلا بنص ثان يبين أن فرض الأول إلى الوقت الذي فرض فيه الثاني ولذلك قيل في قوله تعالى {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} (١): إنه غير منسوخ بالأمر بالقتال في (براءة)؛ لأن الله جعل له أجلا ووقتا وهو إتيان أمره بالقتال وترك الصفح والعفو، وإنما كان يكون منسوخا بالقتال لو قال: فاعفوا واصفحوا أمرا غير مؤقت، كما قال: فاعف عنهم واصفح. فهذا منسوخ بالقتال وقيل: إنه منسوخ بالقتال؛ لأن الأجل غير معلوم، ولو قال: فاعفوا واصفحوا إلى وقت كذا. وذكر الأمر لكان النسخ غير جائز فيه، ولكنه أبهم الوقت ولم يحده، فالنسخ فيه جائز وعلى ذلك أكثر العلماء.

ومضى صاحب الإيضاح يعدد شروطا للنسخ فقال: ومن شروط الناسخ أن يكون موجبا للعلم والعمل كالمنسوخ ومن هاهنا منع نسخ القرآن بخبر الآحاد؛ لأن أخبار الآحاد توجب العمل ولا توجب العلم والقرآن يوجبهما جميعا. وإنما وقع الاختلاف في جواز نسخ القرآن بالأخبار المتواترة التي توجب العلم والعمل كالقرآن.

وقد عد الإمام العلامة مكي بن أبي طالب جواز نسخ الأثقل بالأخف من شروط الناسخ، ومثل لذلك بتخفيف قوله تعالى {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (٢) بقوله سبحانه: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (٣) وأنه لذلك قال تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (٤) أي بأخف منها عليكم أو مثلها في الثقل وأعظم في الأجر.

وكذلك نسخ الأخف بالأثقل نحو نسخ صيام يوم عاشوراء أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر بصوم شهر رمضان


(١) سورة البقرة الآية ١٠٩
(٢) سورة الأنفال الآية ٦٥
(٣) سورة الأنفال الآية ٦٦
(٤) سورة البقرة الآية ١٠٦