والمتساويان يجب أن يتحد حكمهما وإلا لما كانا متساويين.
ثالثا: إن النسخ لو لم يكن جائزا عقلا وواقعا سمعا لما ثبتت رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، لكن رسالته العامة للناس ثابتة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي يطول شرحها. إذن فالشرائع السابقة ليست باقية بل هي منسوخة بهذه الشريعة الختامية. وإذن فالنسخ جائز وواقع. أما ملازمة هذا الدليل فنبرهن عليها بأن النسخ لو لم يكن جائزا وواقعا، لكانت الشرائع الأولى باقية، ولو كانت باقية ما ثبتت رسالته صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة.
رابعا: ما يأتي من أدلة الوقوع السمعي؛ لأن الوقوع يستلزم الجواز وزيادة، والأدلة السمعية على وقوع النسخ نوعان: أحدهما: تقوم به الحجة على منكري النسخ من اليهود والنصارى من غير توقف على إثبات نبوة الرسول لهم. والثاني: تقوم به الحجة على من آمن بنبوته صلى الله عليه وسلم كأبي مسلم الأصفهاني من المسلمين، وكالعيسوية من اليهود، فإنهم يعترفون برسالته عليه الصلاة والسلام، ولكن يقولون: إلى العرب خاصة، وهؤلاء تلزمهم بأنهم متى سلموا برسالته وجب أن يصدقوه في كل ما جاء به، ومن ذلك عموم دعوته، والنسخ الوارد في الكتاب والسنة.
فأمثلة النوع الأول كثيرة منها:
١ - ما جاء في السفر الأول من التوراة أن الله تعالى قال لنوح عند خروجه من السفينة:(إني جعلت كل دابة حية مأكلا لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه) ثم اعترفوا بعد ذلك بأن الله حرم كثيرا من الدواب على أصحاب الشرائع من بعد نوح ومنهم موسى نفسه كما جاء في السفر الثالث من توراتهم.
٢ - جاء في التوراة أن الله تعالى أمر آدم أن يزوج بناته من بنيه وورد أنه كان يولد في كل بطن من البطون ذكر وأنثى فكان يزوج توأمة هذا للآخر