للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} (١) أي نوع آخر هو خير للعباد، وبحسب الحال في النفع والثواب من الذاهبة، وقرئ بقلب الهمزة ألفا {أَوْ مِثْلِهَا} (٢) أي فيما ذكر من النفع والثواب وهذا الحكم غير مختص بنسخ الآية التامة فما فوقها بل جار فيما دونها أيضا، وتخصيصها بالذكر باعتبار الغالب. والنص كما ترى دال على جواز النسخ، كيف لا وتنزيل الآيات التي عليها يدور فلك الأحكام الشرعية إنما هو بحسب ما يقتضيه من الحكم والمصالح، وذلك يختلف باختلاف الأحوال ويتبدل حسب تبدل الأشخاص والأبصار كأحوال المعاش فرب حكم تقتضيه الحكمة في حال تقتضي في حال أخرى نقيضه، فلو لم يجز النسخ لاختل ما بين الحكمة والأحكام من النظام. اهـ (٣) وقال العلامة الشوكاني في تفسيره (فتح القدير) في معرض تفسيره لهذه الآية بعد أن عدد وجوه القراءات في {نُنْسِهَا} (٤) وقرأ الباقون {نُنْسِهَا} (٥) بضم النون من النسيان الذي بمعنى الترك أي نتركها فلا نبدلها ولا ننسخها ومنه قوله تعالى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} (٦) أي تركوا عبادته فتركهم في العذاب، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وحكى الأزهري أن معناه نأمر بتركها، يقال: أنسيته الشيء أي أمرته بتركه ونسيته تركته ومنه قول الشاعر:

إن علي عقبة أقضيها ... لست بناسيها ولا منسيها

أي ولا آمر بتركها. وقال الزجاج: إن القراءة بضم النون لا يتوجه فيها معنى الترك. لا يقال أنسي بمعنى ترك، قال: وما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {أَوْ نُنْسِهَا} (٧) قال: نتركها لا نبدلها فلا يصح. والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى {أَوْ نُنْسِهَا} (٨) نبح لكم تركها، من نسي إذا ترك ثم تعديه، ومعنى {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} (٩) نأت بما هو أنفع للناس منها في العاجل والآجل أو في أحدهما أو بما هو مماثل لها من غير زيادة، ومرجع ذلك إلى إعمال النظر في المنسوخ والناسخ، فقد يكون الناسخ أخف فيكون


(١) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٢) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٣) تفسير أبي السعود ج١ ص ٢٣٣ - ٢٣٤.
(٤) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٥) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٦) سورة التوبة الآية ٦٧
(٧) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٨) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٩) سورة البقرة الآية ١٠٦