للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - والآية الرابعة والأخيرة من الآيات التي استدلوا بها على جواز النسخ هي قوله سبحانه {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (١) النحل (١٠١) والمعنى وإذا نسخنا آية بآية إما نسخ الحكم والتلاوة أو نسخ الحكم مع بقاء التلاوة {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} (٢) من ناسخ ومنسوخ وتشديد وتخفيف فهو عليم بالمصلحة في ذلك {قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (٣) أي كاذب {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (٤) فيه قولان: أحدهما: لا يعلمون أن الله أنزله. والثاني: لا يعلمون فائدة النسخ (٥) اهـ.

وقال الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم وأنه لا يتصور منهم الإيمان وقد كتبت عليهم الشقاوة وذلك أنهم إذا رأوا تغير الأحكام ناسخها بمنسوخها قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} (٦) أي كذاب وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقال مجاهد: {بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} (٧) أي رفعناها وأثبتنا غيرها. وقال قتادة هو كقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (٨) الآية (٩) وقال العلامة أبو السعود بن محمد العمادي الحنفي في تفسيره عند هذه الآية {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} (١٠) أي إذا أنزلنا آية من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلا منها بأن نسخناها بها {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ} (١١) أولا وآخرا وبأن كلا من ذلك ما نزلت حيثما نزلت إلا حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة فإن كل وقت له مقتضى غير مقتضى الآخر فكم من مصلحة في وقت تنقلب في وقت آخر مفسدة وبالعكس لانقلاب الأمور الداعية إلى ذلك وما الشرائع إلا مصلحة للعباد في المعاش والمعاد تدور حسبما تدور المصالح. والجملة إما


(١) سورة النحل الآية ١٠١
(٢) سورة النحل الآية ١٠١
(٣) سورة النحل الآية ١٠١
(٤) سورة النحل الآية ١٠١
(٥) زاد المسير ج٤ ص٤٩١.
(٦) سورة النحل الآية ١٠١
(٧) سورة النحل الآية ١٠١
(٨) سورة البقرة الآية ١٠٦
(٩) تفسير ابن كثير ج٢ ص٥٨٦.
(١٠) سورة النحل الآية ١٠١
(١١) سورة النحل الآية ١٠١