للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال علاء الدين الطرابلسي، صاحب كتاب معين الحكم فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام: " وقد رأيت جواب جاهل للاعتناء بالفتيا - وقد أفتى في قناة ظهرت في دار مبيعة بالقرب من بئرها - فقال: يقال للشهود: هل يجب بذلك الرد، فإن قالوا: يجب، ردت. فليت شعري ما الذي استفتي هو فيه؟ إذا كان الشهود يسألون: هل يجب الرد أم لا؟ وهذا نهاية. . . .، وإذا فشت الجهالة في الناس ظننت حقا وحسبت سنة (١).

قلت: وهذان المثالان يوضحان مزلة أقدام كثير من العلماء، الذين شغلوا أنفسهم بحفظ كثير من ضروب العلم النظري، ولكنهم لم يشغلوا أنفسهم بثمرة ذلك العلم فيطلبوا - أيضا - العلم بكيفية تطبيق تلك الأحكام العلمية النظرية على ما يحدث من الوقائع في حياة الناس أفرادا وجماعات؛ ولذا فقد يشار بالبنان إلى كثير من العلماء في جانب البحث والعلم النظري، ولكن تلك الدرجة تصبح أمرا موهوما عندما يمتحن في جانب البحث والعلم التطبيقي، كما في المقال الذي ذكره علاء الدين الطرابلسي.

وهذا، وإن من أهم مسائل العلم التطبيقي مسألة سير القاضي في نظر الخصومات، فإن الخصوم يدعون ويجيبون أمامه بجزئيات لم تذكر - في الغالب - بذاتها وأحكامها في كتب الفقه، والقاضي يجتهد في استنباط الوصف الشرعي للواقعة، ليبني على ذلك الوصف الحكم الشرعي بعد ثبوت الواقعة بالإقرار أو البينة.

وإذا كان اجتهاد القاضي - في البحث عن الوصف الشرعي للدعوى المعروضة أمامه - يظهر مقدرته ورسوخ علمه النظري والتطبيقي، فإن الأهم من ذلك - هو اجتهاده في تقرير الوصف الشرعي لجواب المدعى عليه - وذلك لأن سير القاضي في نظر الخصومة مترتب على ما يجيب به المدعى عليه، ومن الواقع العلمي - فإن أقل ما يجيب به المدعى عليه هو الجواب بالإقرار. والكثير أن يجيب بالإنكار، وأكثر من ذلك أن يجيب بدفع الدعوى، ومعنى ذلك أن أكثر عمل القاضي - في الواقع - ينبني على الجواب بدفع الدعوى - ولذا فإن ما نحن بصدد بحثه - لأهميته المذكورة - هو جواب المدعى عليه بدفع الدعوى، فنقول - ومن الله نستمد الهداية والسداد:


(١) معين الحكام ص ١٣٠