للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان حليما صفوحا لا يغضب إلا لله تعالى حتى قالت فيه زوجته عائشة: «ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهم ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه. وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل (١)».

أما صدقه وأمانته فاعترف بها العدو والصديق، فما أثر عنه الكذب ولا الخيانة لا قبل النبوة ولا بعدها حتى لقبه قومه بالأمين.

وهذه الأخلاق الإنسانية الكاملة والسيرة العطرة هي التي جعلت بعض من تأملها يقر بأنه رسول من عند الله كما حدث مع السيدة خديجة رضي الله عنها عندما أخبرها بما حصل معه في حراء وأنه خشي على نفسه، فكان جوابها له: «كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل (٣)». . .

وهذا عينه هو الذي حدا بهرقل ملك الروم إلى الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن سأل أبا سفيان أسئلة عديدة عن هذا النبي وصفاته فكان مما سأل أبا سفيان عنه: كيف نسبه فيكم؟ وهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ وبماذا يأمركم؟ وهل يغدر؟. . . إلى غير ذلك من الأسئلة، وبعد أن أجابه أبو سفيان رد عليه هرقل بقوله: «إني سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. . . وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. . . وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا. وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وينهاكم عن عبادة الأوثان ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف فإن كان كما ما تقول حقا، فسيملك موضع قدمي هاتين (٤)». . .


(١) مسلم كتاب الفضائل ٤/ ١٨١٣
(٢) البخاري كتاب بدء الوحي ١/ ٣، ومسلم كتاب الإيمان ١/ ١٤١
(٣) (٢).، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق
(٤) البخاري كتاب بدء الوحي ١/ ٥