للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقول: ويستثنى من الجدال ما كان لبيان حق أورد على باطل فإنه واجب في الحج وغيره لقوله تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (١) ثم لما نهى الله عن هذه الأشياء أمر بالاشتغال بالطاعة فقال: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} (٢) فحثهم على حسن الكلام مكان الفحش، وعلى البر والتقوى مكان الفسوق والجدال، لأنه لا يتم فعل الأوامر إلا بترك المنهيات، ولما كان الحج يحتاج إلى سفر وتنقلات وذلك يحتاج إلى نفقة ومؤنة أمر سبحانه بالاستعداد لذلك بأخذ الزاد والنفقة التي تمون تلك الاحتياجات حتى لا يحتاج الإنسان إلى ما بيد غيره. فقال سبحانه: {وَتَزَوَّدُوا} (٣) وقد كان ناس يحجون بلا زاد ويقولون نحن المتوكلون فيصبحون عالة على غيرهم، فأمرهم الله بأخذ الزاد الذي يغنيهم، ولما أمر سبحانه باتخاذ الزاد الحسي لسفر الدنيا أمر باتخاذ الزاد المعنوي لسفر الآخرة فقال: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (٤) فمن ترك هذا الزاد انقطع عن الوصول إلى الجنة، وختم سبحانه الآية بقوله: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبََابِ} (٥) وهذا نداء عام لأصحاب العقول أن يتقوا الله في الحج وغيره.

ولقد أمر الله بأداء الحج والعمرة خالصين له فقال سبحانه: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (٦) مما يدل على أن كل حج وعمرة لا يتوفر فيهما توحيد الله بالعبادة فليسا بمقبولين عند الله سبحانه وتعالى.

ومن مظاهر هذا التوحيد في الحج: رفع الأصوات بعد الإحرام بالتلبية لله، ونفي الشريك عنه، وإعلان انفراده بالحمد والنعمة والملك: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك) يرددها الحجاج بين كل فترة وأخرى حتى يشرعوا في أداء المناسك.


(١) سورة النحل الآية ١٢٥
(٢) سورة البقرة الآية ١٩٧
(٣) سورة البقرة الآية ١٩٧
(٤) سورة البقرة الآية ١٩٧
(٥) سورة البقرة الآية ١٩٧
(٦) سورة البقرة الآية ١٩٦