الأحاديث، فسياقها أن النار تذكر الله تعالى رعده بملئها فتطب المزيد فيدخل فيها أهل النار أفواجا، ثم حينما لم يبق من أهل النار أحد وهي لا تزال تطلب المزيد أتاها الرب تعالى فوضع قدمه عليها، وحينما وجدت مس قدم الله تعالى تضايقت وامتلأت.
ووجه الرد على التأويلين أنه حينما لم يبق من أهل النار أحد إلا دخلها، والنار لا زالت تطلب المزيد، من يكون الذين قدمهم الله من شرار خلقه، ومن سبقوا في علمه تعالى أنهم من أهل النار؟ وألفاظ الأحاديث لبيان نفادهم هكذا:" حتى إذا أوعبوا فيها "" حتى إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهي لا يملؤها شيء "، فحينئذ " أتاها الرب فوضع قدمه عليها ". فهل يعقل أن يقال: لم يبق من أهل النار أحد إلا دخلها في جملة، ثم يقال في جملة بعدها: ثم يلقى في النار من قدمهم الله من شرار الخلق، أو يسوغ أن يقال: ثم يلقى فيها الذين سبق في علم الله أنهم من أهلها؟ فالحق أن المراد من القدم صفة من صفات الله تعالى.
وأما التأويل الثالث وهو ما أشبه فيه قول الزمخشري والخطابي، فصار وضع القدم عندهما مثلا للزجر والردع عن طلب المزيد، وعند غيرهما رمزا للقهر على النار بالقدرة، فهذا التأويل - كما يبدر لي - يضمر في طيه أربعة تأويلات، فإن قول الزمخشري: فكأنه قال: " يأتيها أمر الله عز وجل فيكفها عن طلب المزيد فترتدع " مشتمل على تأويل في ثلاثة أشياء:
الأول: أنه قدر المحذوف، فأول إتيان الرب بإتيان أمره.
الثاني: أنه أول وضع القدم بالزجر والتوبيخ والكف عن طلب المزيد.
الثالث: أنه أول انزواء النار بعضها إلى بعض وقولها قط قط بارتداعها.
والرابع: هو التأويل الذي أوله بعضهم بأن وضع القدم رمز للقهر على النار وإبطال طلبها المزيد.
فهذه التأويلات وما أشبهها مما أوله المئولون باطلة لأنهم لم يأتوا لها ببرهان،