للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم يبينوا سبب إخراج هذه الكلمات عن ظواهرها، وكل هذا ظن منهم أن ظواهر هذه الكلمات إذا أثبتت صفات للرب مثلا كان عيبا فيه، ولا تليق هذه بجلاله تعالى فينزه عنه، فبدأوا يئولون كل كلمة ثابتة أثبتت ما يخالف رأيهم، فجاعوا بالطامات حيث شحنوا الكتب بالتأويلات، أما ترى أن هذه الجملة الواضحة: " حتى يأتيها ربنا، فيضع قدمه عليها فتنزوي " اشتملت على قطعات ثلاث، وترى التأويل لكل قطعة.

ومن هنا يظهر أنه لا يبقى كلام على مراد القائل لم يسلم من التأويل.

ومع هذا يمكن الرد على كل تأويل بصريح النص فيرد التأويل الأول بقوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (١). .

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: " يعني لفصل القضاء بين خلقه. . فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفا صفوفا " (٢).

ويرد التأويل الثاني والثالث بما ثبت عن ابن عباس وغيره، وقد سبق تفصيل ذلك قريبا في هذا المقال.

وإجمال القول فيه أن تأويل وضع القدم بالزجر والقهر، ينتفي بقول ابن عباس: " حتى وجدت (أي النار) مس قدم الله تعالى ذكره " بعدما ذكر وضع قدمه عليها.

ويرد التأويل الثالث - أعني تأويل انزواء النار بارتداعها عن طلب المزيد - ما جاء في حديث ابن عباس السابق بلفظ: " فتضايقت حين جعل عليها ما جعل "، وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة بلفظ: " هناك تمتلئ ويدنو بعضها إلى بعض " (٣).


(١) سورة الفجر الآية ٢٢
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٥١١).
(٣) التوحيد (٩٢). .