للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يفحشون إن ظفروا ولا يتوجعون إن مسهم قرح فيقول:

ونحن أناس لا نرى القتل سبة ... على كل من يحمي الذمار ويمنع

جلاد على ريب الحوادث لا نرى ... على هالك عينا لنا الدهر تدمع

بنو الحرب لا نعيا بشيء تقوله ... ولا نحن مما جرت الحرب نجزع

بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش ... ولا نحن من أظفارها نتوجع

وكم من صورة أزجتها شاعرية كعب تتدفق بمفاخر الأنصار، وتحمل ما تحمل من تهديد للمشركين بالضربات السريعة التي يلاقونها من أولئك المحيطين برسول الله ممن أعدوا للحروب سرابيل تقيهم وهم من أصل الغساسنة (وكثيرا ما افتخر كعب بهذا النسب) وقد طالت حمائل سيوفهم، وهم ليسوا بالجبناء، ولا ممن فقدوا التروس والرماح وإنهم ليمشون في ظلمات غبار المعارك كما تمشي فحول الإبل البيض التي يمشي بعضها إثر بعض، أو كما تمشي أسود الطل وقد بللها الرذاذ الذي أثارته ريح الشمال، وهم في دروع سابغة محكمة تلمع كالغدير والقائم بها كالنهر الأبيض، تلك هي الصور التي يقدمها فيفخر بها ويهدد ويرهب، ويثير الرعب في قلوب المناوئين فيقول:

ولو هبطتم ببطن السيل كافحكم ... ضرب بشاكلة البطحاء ترعيل

تلقاكم عصب حول النبي لهم ... مما يعدون للهيجا سرابيل

من جذم غسان مسترخ حمائلهم ... لا جبناء ولا ميل معازيل

يمشون تحت عمايات القتال كما ... تمشي المصاعبة الأدم المراسيل

أو مثل مشي أسود الطل ألثقها ... يوم رذاذ من الجوزاء مشمول

في كل سابغة كالنهي محكمة ... قيامها فلج كالسيف بهلول

الشاكلة: الطرف، الترعيل: الضرب السريع، الهيجاء: الحرب وقصر للضرورة الشعرية، السرابيل: جمع سربال: القميص أو الدرع أو كل ما يلبس، الجذم بكسر الجيم: الأصل، الحمائل: علائق السيوف، الميل بكسر الميم جمع أميل: وهو من لا ترس له، والمعازيل: من لا رماح معهم، العمايات: الظلمات، المصاعبة: فحول الإبل، الأدم بضم الهمزة: الإبل البيض، المراسيل: التي يمشي بعضها إثر بعض، الطل: المطر الخفيف، ألثقها: بللها، الرذاذ: المطر الضعيف، الجوزاء: نجم، المشمول: الذي هبت فيه ريح الشمال، السابغة: الدرع، النهي: بكسر النون المشددة: النهر، قيامها: القائم بها، الفلج: النهر، البهلول: بضم الباء: الأبيض.