للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فإن قيل فقد ذكر على عهد أبي بكر وصدر من خلافة عمر؟ قيل - والله أعلم -، وجوابه حين استفتى يخالف ذلك كما وصفت.

فإن قيل: فهل من دليل تقوم به الحجة في ترك أن تحسب الثلاث واحدة في كتاب أو سنة أو أمر أبين مما ذكرت؟

قيل: نعم. أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة، فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها وقال: والله، لا آويك. . ولا تخلين بدا، فأنزل الله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (١) فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ، من كان منهم طلق أو لم يطلق، وذكر بعض أهل التفسير هذا، فلعل ابن عباس أجاب أن الثلاث والواحدة سواء، وإذا جعل الله عدد الطلاق إلى الزوج وأن يطلق متى شاء، فسواء الثلاث والواحدة وأكثر من الثلاث في أن يقضي بطلاقه.

قال الشافعي: وحكم الله في الطلاق أنه مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقوله: فإن طلقها يعني - والله أعلم - الثلاث، {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (٢)؛ فدل حكمه أن المرأة تحرم بعد الطلاق ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره، وجعل حكمه بأن الطلاق إلى الأزواج يدل على أنه إذا حدث تحريم المرأة بطلاق ثلاث وجعل الطلاق إلى زوجها فطلقها ثلاثا مجموعة أو مفرقة حرمت عليه بعدهن حتى تنكح زوجا غيره كما كانوا مملكين عتق رقيقهم، فإن أعتق واحدا أو مائة في كلمة لزمه ذلك كما يلزمه كلها، جمع الكلام فيه أو فرقه مثل قوله لنسوة له: أنتن طوالق، ووالله لا أقربكن، وأنتن علي كظهر أمي، وقوله: لفلان علي كذا، ولفلان علي كذا، ولفلان علي كذا، فلا يسقط عنه بجمع الكلام معنى من المعاني، جميعه كلام فيلزمه بجمع الكلام ما يلزمه بتفريقه.

فإن قال قائل: فهل من سنة تدل على هذا قيل نعم، حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أنه سمعها تقول.

«جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى رسول الله فقالت إني كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وأنا معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله، وقال: " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته " قال وأبو بكر عند النبي وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى يا أبا بكر ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣)».


(١) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٣) صحيح مسلم النكاح (١٤٣٣)، سنن الترمذي النكاح (١١١٨)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٩)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٨)، سنن الدارمي الطلاق (٢٢٦٧).