للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الشافعي فإن قيل: فقد يحتمل أن يكون رفاعة بت طلاقها في مرات. قلت: ظاهره في مرة واحدة، (وبت) إنما هي ثلاث إذا احتملت ثلاثا، وقال رسول الله: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا، حتى يذوق عسيلتك (١)» ولو كانت عائشة حسب طلاقها بواحدة كان لها أن ترجع إلى رفاعة بلا زوج.

فإن قيل: أطلق أحد ثلاثا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل: نعم. عويمر العجلاني طلق امرأته ثلاثا قبل أن يخبره النبي أنها تحرم عليه باللعان فلما أعلم النبي نهاه.

وفاطمة بنت قيس تحكي للنبي: أن زوجها بت طلاقها تعني - والله أعلم - أنه طلقها ثلاثا، وقال النبي: «ليس لك عليه نفقة (٢)»؛ لأنه - والله أعلم - لا رجعة له عليها، ولم أعلمه عاب طلاق ثلاث معا، قال الشافعي: فلما كان حديث عائشة في رفاعة موافقا ظاهر القرآن، وكان ثابتا، كان أولى الحديثين أن يؤخذ به - والله أعلم - وإن كان ليس بالبين فيه جدا.

قال الشافعي: ولو كان الحديث الآخر له مخالفا كان الحديث الآخر يكون ناسخا - والله أعلم - وإن كان ذلك ليس بالبين فيه جدا. اهـ.

وقال أبو داود: في سننه " باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث " حدثنا أحمد بن سعيد المروزي حدثني علي بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس قال: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} (٣)؛ وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا؛ فنسخ ذلك فقال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٤) ثم أورد أبو داود في نفس الباب حديث ابن طاوس عن أبيه «أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وثلاثا من إمارة عمر قال ابن عباس: نعم (٥)».

وقال الطحاوي: (٦) في " باب الرجل يطلق امرأته ثلاثا معا " حدثنا روح بن الفرج، ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني ابن طاوس عن أبيه «أن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أن الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وثلاثا من إمارة عمر، قال ابن عباس: نعم (٧)».

وقال الطحاوي: بعد استعراض بعض الآراء في المسألة: وفي حديث ابن عباس ما لو اكتفينا به كانت حجة قاطعة، وذلك أنه قال: فلما كان زمان عمر - رضي الله عنه - قال: أيها الناس قد كانت لكم في الطلاق أناة وأنه من تعجل أناة الله في الطلاق ألزمناه إياه، حدثنا بذلك ابن أبي عمران.


(١) صحيح مسلم النكاح (١٤٣٣)، سنن الترمذي النكاح (١١١٨)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٩)، سنن ابن ماجه النكاح (١٩٣٢)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٢٢٦)، سنن الدارمي الطلاق (٢٢٦٧).
(٢) صحيح مسلم الطلاق (١٤٨٠)، سنن الترمذي النكاح (١١٣٥)، سنن النسائي النكاح (٣٢٢٢)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٨٤)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٧٣)، موطأ مالك الطلاق (١٢٣٤)، سنن الدارمي النكاح (٢١٧٧).
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٨
(٤) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٥) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٦)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠٠).
(٦) شرح معاني الآثار: ٢/ ٣٢.
(٧) صحيح مسلم الطلاق (١٤٧٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٦)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠٠).