فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة، إنما يقع اختلافهم في مراتب القوة أو مراتب الضعف، والحاكم منهم يتكلم بحسب اجتهاده وقوة معارفه، فإن قدر خطؤه في نقده فله أجر واحد " (١).
ويظهر من هذا القول أن الإجماع المقصود ليس هو إجماع الرعاع والغوغاء حول رأي يصلون إليه كيفما اتفق، إنما الإجماع المقصود هنا هو إجماع أصحاب الحديث الذين لهم مناهجهم الدقيقة المحكمة في تحقيق المتن والسند فلا يعقل أن يجتمعوا على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة.
ونفس هذا المعنى تقريبا أورده أبو عيسى الترمذي عند إخراجه لهذا الحديث حيث يقول: " وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم: أهل الفقه والعلم والحديث ".
وقال ابن العربي في العارضة في تعريفه للجماعة معلقا على هذا الحديث ما يلي: " إنما أراد عبد الله بن المبارك بالجماعة حيث يجتمع أركان الدين وذلك عند الإمام العادل أو الرجل العالم فهو الجماعة. . ".
فالإجماع إذن عند علماء المسلمين وفقهائهم ومحدثيهم لا يمكن أن يكون مدخلا أو مبررا لتلفيق الأحاديث ونسبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ادعى غيوم.
أما الحديث الآخر والذي أورده غيوم ليدلل به على أن علماء الحديث قد لفقوا بعض الأحاديث ونسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم، والذي ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «إن جاء الحديث مطابقا للقرآن فانسبوه إلي، وإلا فاعلموا أنه لم يصدر عني»، فهو حديث موضوع. ولقد أورد الشيخ أبو زهو في كتابه " الحديث والمحدثون " حول هذا الحديث ما يلي: " حديث وضعه الخوارج والزنادقة. وهذا ليس ببعيد على قوم وقفوا على ظواهر الكتاب وردوا الحديث إذا جاء من غير من ينتمون إليه ".