للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا جواب الخطابي وقواه ابن حجر قال الخطابي (١): ويشبه أن يكون معنى الحديث منصرفا إلى طلاق ألبتة؛ لأنه قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ركانة أنه جعل ألبتة واحدة، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يراها واحدة، ثم تتابع الناس في ذلك فألزمهم الثلاث، وإليه ذهب غير واحد من الصحابة، رضي الله عنهم -، روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - أنه جعلها ثلاثا، وكذلك روي عن ابن عمر، وكان يقول: أبت الطلاق طلاق ألبتة، وإليه ذهب سعيد بن المسيب وعروة وعمر بن عبد العزيز والزهري، وبه قال مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل، وهذا كصنيعه بشارب الخمر، فإن الحد كان في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر أربعين ثم إن عمر لما رأى الناس تشايعوا في الخمر واستخفوا بالعقوبة فيها قال: أرى أن تبلغ فيها حد المفتري؛ لأنه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى، وكان ذلك على ملأ من الصحابة فلا ينكر أن يكون الأمر في طلاق " ألبتة " على شاكلته، انتهى كلام الخطابي.

وقال ابن حجر: (٢). هو قوي ويؤيده إدخال البخاري في هذا الباب الآثار التي فيها " ألبتة " والأحاديث التي فيها التصريح بالثلاث، كأنه يشير إلى عدم الفرق بينهما، وأن " ألبتة " إذا أطلقت حملت على الثلاث إلا إن أراد المطلق واحدة فيقبل، فكأن بعض رواته حمل لفظ " ألبتة " على الثلاث لاشتهار التسوية بينهما فرواها بلفظ الثلاث، وإنما المراد لفظ ألبتة، وكانوا في العصر الأول يقبلون ممن قال: أردت بألبتة الواحدة فلما كان عهد عمر أمضى الثلاث في ظاهر الحكم، انتهى كلام الحافظ ابن حجر.

الجواب الثامن: حمل الحديث على أنه شاذ، وقد حمله على ذلك جماعة من أهل العلم فقال ابن عبد الهادي قال ابن رجب في كتابه " مشكل الأحاديث الواردة أن الطلاق الثلاث واحدة " وساق حديث ابن عباس ثم قال (٣): فهذا الحديث لأئمة الإسلام فيه طريقان:

أحدهما وهو مسلك الإمام أحمد ومن وافقه ويرجع الكلام في إسناد الحديث بشذوذه وانفراد طاوس به، وأنه لم يتابع عليه، وانفراد الراوي بالحديث وإن كان ثقة هو علة في الحديث يوجب التوقف فيه، وأن يكون شاذا ومنكرا إذا لم يروا معناه من وجه يصح وهذه طريقة أئمة الحديث المتقدمين، كالإمام أحمد ويحيى القطان ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، وهذا الحديث لا يرويه عن ابن عباس غير طاوس، قال الإمام أحمد في رواية ابن منصور: كل أصحاب ابن عباس يعني رووا عنه خلاف ما روى طاوس.


(١) معالم السنن ٣/ ١٢٦.
(٢) فتح الباري ٩/ ٢٩٩
(٣) سير الحاث - ٧٤.