للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الجوزجاني: هو حديث شاذ، قال وقد عنيت بهذا الحديث في قديم الدهر؛ فلم أجد له أصلا، قال المصنف: ومتى أجمع الأمة على إطراح العمل بحديث وجب إطراحه وترك العمل به، وقال ابن مهدي: لا يكون إماما في العلم من عمل بالشاذ.

وقال النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث، وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة؛ فإن عرف وإلا فدعه، وعن مالك قال: " شر العلم الغريب "، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس، وفي هذا الباب شيء كثير لعدم جواز العمل بالغريب وغير المشهور. . قال ابن رجب: وقد صح عن ابن عباس - وهو راوي الحديث - أنه أفتى بخلاف هذا الحديث ولزوم الثلاث المجموعة، وقد علل بهذا أحمد والشافعي كما ذكره في المغني، وهذه أيضا علة في الحديث بانفرادها فكيف وقد ضم إليها علة الشذوذ والإنكار وإجماع الأمة!.

وقال القاضي إسماعيل في كتاب " أحكام القرآن ": طاوس مع فضله وصلاحه يروي أشياء منكرة منها هذا الحديث، وعن أيوب أنه كان يعجب من كثرة خطأ طاوس.

وقال ابن عبد البر: شذ طاوس في هذا الحديث.

قال ابن رجب وكان علماء أهل مكة ينكرون على طاوس ما ينفرد به من شواذ الأقاويل، انتهى المقصود.

الثاني: أنه منسوخ - وقد سبق ما يغني عن إعادته.

ونقل القرطبي عن ابن عبد البر أنه قال (١): رواية طاوس وهم وغلط لم يعرج عليها أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والمغرب - قال - وقد قيل: إن أبا الصهباء لا يعرف في موالي ابن عباس.

ونقل الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عن ابن العربي المالكي ما يختص بحديث ابن عباس هذا، فقال (٢): فإن قيل: ففي صحيح مسلم عن ابن عباس وذكر حديث أبي الصهباء المذكور؟ قلنا: هذا لا متعلق فيه من خمسة أوجه:

الأول: أنه حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على إجماع الأمة ولم يعرف لها في هذه المسألة خلاف إلا عن قوم انحطوا عن رتبة التابعين، وقد سبق العصران الكريمان والاتفاق على لزوم الثلاث، فإن رووا ذلك عن أحد منهم فلا تقبلوا منهم إلا ما يقبلون منكم نقل العدل عن العدل، ولا تجد هذه المسألة منسوبة إلى أحد من السلف أبدا.

الثاني: أن هذا الحديث لم يرد إلا عن ابن عباس ولم يرو عنه إلا عن طريق طاوس فكيف يقبل ما لم يروه من الصحابة إلا واحد وما لم يروه عن ذلك الصحابي إلا واحد، وكيف خفي على جميع الصحابة وسكتوا عنه إلا ابن عباس، وكيف خفي على أصحاب ابن عباس إلا طاوس؟ انتهى محل الغرض من كلام ابن العربي، انتهى.


(١) تفسير القرطبي ٣/ ١٢٩
(٢) أضواء البيان ١٩٢