للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن حجر (١): الجواب الثاني دعوى شذوذ ورواية طاوس وهي طريقة البيهقي، فإنه ساق الروايات عن ابن عباس بلزوم الثلاث، ثم نقل عن ابن المنذر أنه لا يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا ويفتي بخلافه، فيتعين المصير إلى الترجيح والأخذ بقول الأكثر أولى من الأخذ بقول الواحد إذا خالفهم انتهى.

وقال ابن التركماني وطاوس يقول: إن أبا الصهباء مولاه سأله عن ذلك ولا يصح ذلك عن ابن عباس لرواية الثقات عنه خلافه، ولو صح عنه ما كان قوله حجة على من هو من الصحابة أجل وأعلم منه، وهم عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وغيرهم، انتهى.

وقد أجاب ابن القيم عن ذلك فقال بعد عرضه لهذا المسلك (٢): وهذا أفسد من جميع ما تقدم، ولا ترد أحاديث الصحابة وأحاديث الأئمة الثقات بمثل هذا، فكم من حديث تفرد به واحد من الصحابة لم يروه غيره وقبلته الأمة كلهم فلم يرده أحد منهم، وكم من حديث تفرد به من هو دون طاوس بكثير ولم يرده أحد من الأئمة ولا نعلم أحدا من أهل العلم قديما ولا حديثا قال: إن الحديث إذا لم يروه إلا صحابي واحد لا يقبل، وإنما يحكى عن أهل البدع، ومن تبعهم في ذلك أقوال لا يعرف لها قائل من الفقهاء.

قد تفرد الزهري بنحو ستين سنة، لم يروها غيره، وعلمت بها الأمة ولم يردوها بتفرده هذا مع أن عكرمة روى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - حديث ركانة وهو موافق لحديث طاوس عنه، فإن قدح في عكرمة أبطل وتناقض، فإن الناس احتجوا بعكرمة، وصحح أئمة الحفاظ حديثه، ولم يلتفتوا إلى قدح من قدح فيه.

فإن قيل: فهذا هو الحديث الشاذ، وأقل أحواله أن يتوقف فيه ولا يجزم بصحته عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قيل: ليس هذا هو الشاذ، وإنما الشذوذ: أن يخالف الثقات فيما رووه فيشذ عنهم بروايته، فأما إذا روى الثقة حديثا منفردا به، لم يرو الثقات خلافه فإن ذلك لا يسمى شاذا، وإن اصطلح على تسميته شاذا بهذا المعنى، لم يكن هذا الاصطلاح موجبا لرده، ولا مسوغا له.

قال الشافعي: " وليس الشاذ أن ينفرد الثقة برواية الحديث، بل الشاذ أن يروي خلاف ما رواه الثقات "، قاله في مناظرته لبعض من رد الحديث بتفرد الراوي به، ثم إن هذا القول لا يمكن أحدا من أهل العلم، ولا من الأئمة ولا من أتباعهم طرده، ولو طردوه لبطل كثير من أقوالهم وفتاويهم، والعجب أن الرادين لهذا الحديث بمثل هذا الكلام قد بنوا كثير من مذاهبهم على أحاديث ضعيفة، انفرد بها رواتها لا تعرف عن سواهم، وذلك أشهر وأكثر من أن يعد.

وبعد ما ذكر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي كلام يتفق مع ما سبق ذكره عن ابن القيم قال (٣): نعم لقائل


(١) الفتح ٩/ ٣٦٣.
(٢) إغاثة اللهفان ١/ ٢٩٥ - ٢٩٦.
(٣) أضواء البيان ١/ ١٩٣ - ١٩٥٦.