للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يقول: إن خبر الآحاد إذا كان الدواعي متوفرة إلى نقله ولم ينقله إلا واحد ونحوه، أن ذلك يدل على عدم صحته، ووجهه أن توفر الدواعي يلزم منه النقل تواترا والاشتهار، فإن لم يشتهر دل على أنه لم يقع؛ لأن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، وهذه قاعدة في الأصول أشار إليها في مراقي السعود بقوله عاطفا على ما يحكم فيه بعدم صحة الخبر " وخبر الآحاد في السنى ".

حيث دواعي نقله تواترا ... نرى له لو قاله تقررا

وجزم بها غير واحد من الأصوليين، وقال صاحب جمع الجوامع عاطفا على ما يجزم فيه بعدم صحة الخبر والمنقول آحادا فيما تتوفر الدواعي إلى نقله خلافا للرافضة، اهـ منه بلفظه.

ومراده أن مما يجزم بعدم صحته الخبر المنقول آحادا مع توفر الدواعي إلى نقله، وقال ابن الحاجب في مختصره الأصولي مسألة: إذا انفرد واحد فيما يتوفر الدواعي إلى نقله وقد شاركه خلق كثير، كما لو انفرد واحد بقتل خطيب على المنبر في مدينة فهو كاذب قطعا خلافا للشيعة اهـ. محل الغرض منه بلفظه، وفي المسألة مناقشات وأجوبة عنها معروفة في الأصول.

قال مقيده - عفا الله عنه -: ولاشك أنه على القول بأن معنى حديث طاوس المذكور أن الثلاث بلفظ واحد كانت تجعل واحدة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر، ثم إن عمر غير ما كان عليه رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - والمسلمون في زمن أبي بكر وعامة الصحابة أو جلهم يعلمون ذلك، فالدواعي إلى نقل ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون من بعده متوفرة توافرا لا يمكن إنكاره؛ لأن (١) يرد بذلك التغيير الذي أحدثه عمر، فسكوت جميع الصحابة عنه، وكون ذلك لم ينقل منه حرف عن غير ابن عباس، يدل دلالة واضحة على أحد أمرين:

أحدهما: أن حديث طاوس الذي رواه عن ابن عباس ليس معناها أنها بلفظ واحد بل بثلاثة ألفاظ في وقت واحد كما قدمنا، وكما جزم به النسائي: وصححه النووي والقرطبي وابن سريج، وعليه فلا إشكال؛ لأن تغيير عمر للحكم مبني على تغيير قصدهم، والنبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى (٢)» فمن قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ونوى التأكيد فواحدة، وإن نوى الاستئناف بكل واحدة فثلاث، واختلاف محامل اللفظ الواحد لاختلاف نيات اللافظين به لا إشكال فيه لقوله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: «وإنما لكل امرئ ما نوى (٣)».


(١) قوله " لأن " كذا بالأصل المطبوع.
(٢) صحيح البخاري بدء الوحي (١)، صحيح مسلم الإمارة (١٩٠٧)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٤٧)، سنن النسائي الطهارة (٧٥)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠١)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٢٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٣).
(٣) صحيح البخاري بدء الوحي (١)، صحيح مسلم الإمارة (١٩٠٧)، سنن الترمذي فضائل الجهاد (١٦٤٧)، سنن النسائي الطهارة (٧٥)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٠١)، سنن ابن ماجه الزهد (٤٢٢٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٣).