للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: أن يكون الحديث غير محكوم بصحته لنقله آحادا مع توفر الدواعي إلى نقله، والأول أولى وأخف من الثاني، وقال القرطبي في المفهم في الكلام على حديث طاوس المذكور: وظاهر سياقه يقتضي النقل عن جميعهم أن معظمهم كانوا يرون ذلك، والعادة في مثل هذا أن يفشو الحكم وينتشر، فكيف ينفرد به واحد عن واحد؟ قال: فهذا الوجه يقتضي التوقف عن العمل بظاهره إن لم يقتض القطع ببطلانه اهـ. منه بواسطة نقل ابن حجر في فتح الباري عنه، وهو قوي جدا بحسب المقرر في الأصول كما ترى. انتهى.

الجواب التاسع: أن الحديث مضطرب، نقل هذا الجواب ابن حجر عن القرطبي (١)، وذكر ابن القيم (٢) هذا الجواب وناقشه فقال: وسلك آخرون في رد الحديث مسلكا آخر فقالوا هو حديث مضطرب لا يصح؛ ولذلك أعرض عنه البخاري، وترجم في صحيحه على خلافه فقال: " باب فيمن جوز الطلاق الثلاث في كلمة لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٣) ثم ذكر حديث اللعان وفيه: «فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولم يغير عليه النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهو لا يقر على باطل (٤)».

قالوا: ووجه اضطرابه: أنه تارة يروي عن طاوس عن ابن عباس، وتارة عن طاوس عن أبي الصهباء عن ابن عباس، وتارة عن أبي الجوزاء عن ابن عباس فهذا اضطرابه من جهة السند.

وأما المتن فإن أبا الصهباء تارة يقول: " ألم تعلم أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة وتارة يقول: " ألم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وصدر من خلافة عمر واحدة، فهذا يخالف اللفظ الآخر، وهذا المسلك من أضعف المسالك، ورد الحديث به ضرب من التعنت، ولا يعرف أحد من الحفاظ قدح في هذا الحديث ولا ضعفه، والإمام أحمد لما قيل له: بأي شيء ترده؟ قال: برواية الناس عن ابن عباس خلافه.

ولم يرده بتضعيف ولا قدح في صحته، وكيف يتهيأ القدح في صحته، ورواته كلهم أئمة حفاظ، حدث به عبد الرزاق وغيره عن ابن جريج بصيغة الإخبار، وحدث به كذلك ابن جريج عن ابن طاوس، وحدث به ابن طاوس عن أبيه، وهذا إسناد لا مطعن فيه لطاعن، وطاوس من أخص أصحاب ابن عباس، ومذهبه: أن الثلاث واحدة، وقد رواه حماد بن زيد عن أيوب عن غير واحد عن طاوس، فلم ينفرد به عبد الرزاق ولا ابن


(١) فتح الباري ٩/ ٣٦٤.
(٢) إغاثة اللهفان ١/ ٢٩٣ - ٢٩٥.
(٣) سورة البقرة الآية ٢٢٩
(٤) صحيح البخاري الطلاق (٥٣٠٩)، صحيح مسلم اللعان (١٤٩٢)، سنن النسائي الطلاق (٣٤٠٢)، سنن أبو داود الطلاق (٢٢٤٥)، سنن ابن ماجه الطلاق (٢٠٦٦)، موطأ مالك كتاب الطلاق (١٢٠١)، سنن الدارمي النكاح (٢٢٢٩).