للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جريج، ولا عبد الله بن طاوس، فالحديث من أصح الأحاديث، وترك رواية البخاري له لا يوهنه وله حكم أمثاله من الأحاديث الصحيحة التي تركها البخاري لئلا يطول كتابه فإنه سماه: الجامع المختصر الصحيح، ومثل هذا العذر لا يقبله من له حظ في العلم.

وأما رواية من رواه عن أبي الجوزاء فإن كانت محفوظة فهي مما يزيد الحديث قوة وإن لم تكن محفوظة - وهو الظاهر - فهي وهم في الكنية انتقل فيها عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة من أبي الصهباء، إلى أبي الجوزاء، فإنه كان سيء الحفظ، والحفاظ قالوا " أبو الصهباء "، وهذا لا يوهن الحديث، وهذه الطريق عند الحاكم في المستدرك، وأما رواية من رواه مقيدا " قبل الدخول " فإنه تقدم أنه لا تناقض رواية الآخرين على أنها عند أبي داود عن أيوب عن غير واحد ورواية الإطلاق عن معمر عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه؛ فإن تعارضها فهذه الرواية أولى، وإن لم يتعارضا فالأمر واضح.

وحديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - صريح في كون الثلاثة واحدة في حق المدخول بها وعامة ما يقدر في حديث أبي الصهباء أن قوله: " قبل الدخول " زيادة من ثقة فيكون الأخذ بها أولى، وحينئذ فيدل أحد حديثي ابن عباس على أن هذا الحكم ثابت في حق البكر، وحديثه الآخر على أنه ثابت في حكم الثيب أيضا، فأحد الحديثين يقوي الآخر ويشهد بصحته، وبالله التوفيق.

الجواب العاشر: أن حديث ابن عباس معارض بالإجماع، والإجماع أقوى من خبر الواحد كما ذكر ذلك الشافعي وغيره، وقد سبق استدلال الجمهور بالإجماع مع ذكر أدلتهم لمذهبهم وبيان من قال به، ومناقشة ابن القيم له، فاكتفى بذلك عن الإعادة هنا.

الدليل الثاني: ما رواه الإمام أحمد في المسند قال: حدثنا سعد بن إبراهيم حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال حدثني داود بن الحصين عن عكرمة - مولى ابن عباس - عن ابن عباس قال: «طلق ركانة ابن عبد يزيد - أخو بني المطلق - امرأته ثلاثا في مجلس واحد، فحزن عليها حزنا شديدا، قال: فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " كيف طلقتها "؟ قال: طلقتها ثلاثا، قال فقال: " في مجلس واحد؟ " قال: نعم، فقال: " فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت " قال: فراجعها (١)» فكان ابن عباس يروي الطلاق عند كل طهر.

قال ابن القيم (٢) وقد صحح الإمام أحمد هذا الإسناد وحسنه، فقال في حديث عمرو بن شعيب عن


(١) مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٦٥).
(٢) أعلام الموقعين ٣/ ٤٠.