للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدليل الرابع: ما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر من أنه طلق امرأته في الحيض ثلاثا فاحتسب بواحدة وقد سبقت مناقشة حديث ابن عمر برواياته، وأن الصحيح أنه إنما طلقها واحدة، وذلك عند الكلام على الدليل السادس فاكتفي بما ذكر هناك عن إعادته هنا.

وأما الإجماع فممن ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من العلماء، فقد بينوا أن الأمر لم يزل على اعتبار الثلاث بلفظ واحد واحدة في عهد أبي بكر، وثلاث سنين من خلافة عمر، ويمكن أن يجاب عنه بما ورد من الآثار عن بعض الصحابة في أن الثلاث بلفظ واحد تكون ثلاثا وقد سبقت.

وأما القياس فقد قال ابن القيم: (١): وأما القياس فإن الله - سبحانه وتعالى - قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} (٢)، ثم قال: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} (٣) فلو قال: أشهد بالله أربع شهادات أني صادق، وقالت: أشهد بالله أربع شهادات أنه كاذب، كانت شهادة واحدة ولم تكن أربعا، فكيف يكون قوله: أنت طالق ثلاثا ثلاث تطليقات، وأي قياس أصح من هذا؟ وهكذا كل ما يعتبر فيه العدد من الإقرار ونحوه؛ ولهذا لو قال المقر بالزنا: إني أقر بالزنا أربع مرات كان ذلك مرة واحدة، وقد قال الصحابة لماعز: " إن أقررت أربعا رجمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلو قال: أقر به أربع مرات كان مرة واحدة فهكذا الطلاق سواء.

وقد أجاب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي عن هذا القياس فقال: (٤): وقياس أنت طالق ثلاثا على أيمان اللعان في أنه لو حلفها بلفظ واحد لم تجز، قياس مع وجود الفارق؛ لأن من اقتصر على واحدة من الشهادات الأربع المذكورة في آية اللعان أجمع العلماء على أن ذلك كما لو لم يأت بشيء منها أصلا، بخلاف الطلقات الثلاث، فمن اقتصر على واحدة منها اعتبرت إجماعا وحصلت به البينونة بانقضاء العدة إجماعا.

وأما الآثار فما جاء عن الصحابة في ذلك، فقد روى طاوس وعكرمة عن ابن عباس الإفتاء بذلك ورواية طاوس عند أبي جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ورواية عكرمة عند أبي داود من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس، وحكى ابن وضاح وعنه ابن مغيث الإفتاء يكون الطلاق الثلاث في كلمة واحدة واحدة عن علي وابن مسعود والزبير وعبد الرحمن بن عوف، وجاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ما رواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في مسند عمر قال: أخبرنا أبو يعلى حدثنا صالح بن مالك، حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه قال قال عمر - رضي الله تعالى عنه -: ما ندمت على شيء ندامتي على ثلاث أن لا أكون حرمت الطلاق، وعلى أن لا أكون أنحكت الموالي، وعلى أن لا أكون قتلت النوائح، وكذلك ما نقل من الآثار عن أهل البيت.


(١) إغاثة اللهفان ١/ ٢٨٩.
(٢) سورة النور الآية ٦
(٣) سورة النور الآية ٨
(٤) أضواء البيان ١/ ١٩٥ - ١٩٦.