للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويضاف إلى هذه الآثار ما سبق ذكره من الآثار مما لم يذكر هنا وذلك في الكلام على رد استدلال الجمهور بالإجماع.

وأجيب عن تلك الآثار بما يأتي: أما ما روى طاوس عن ابن عباس أن من قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إنما تلزمه طلقة واحدة فقد اعتبره أبو جعفر النحاس من مناكير طاوس التي خولف فيها طاوس (١)، قال: وطاوس وإن كان رجلا صالحا فعنده عن ابن عباس مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم، منها أنه روى عن ابن عباس أنه قال في رجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا إنما تلزمه واحدة ولا يعرف هذا عن ابن عباس إلا من روايته، والصحيح عنه وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - أنها ثلاث كما قال الله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} (٢). أي الثالثة.

وأما ما روى حمادي بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: " إذا قال أنت طالق ثلاثا بفم واحد فهي واحدة " فقد تعقبه أبو داود في سننه بقوله: ورواه إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة هذا قوله، ولم يذكر ابن عباس وجعله قول عكرمة، وعلى فرض ثبوتهما فقد رجع ابن عباس عن ذلك كما صرح أبو داود قال (٣)، وصار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح ومحمد بن يحيى، وهذا حديث أحمد قالا: نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن إياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثا فكلهم قالوا: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، قال أبو داود وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن الأشج عن معاوية بن أبي عياش أنه شهد هذه القصة حين جاء محمد بن إياس بن البكير إلى ابن الزبير وعاصم بن عمر فسألهما عن ذلك فقال: اذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة - رضي الله عنها - ثم ساق هذا الخبر، قال أبو داود وقول ابن عباس هو أن الطلاق الثلاث يبينها من زوجها مدخولا بها أو غير مدخول بها، لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، هذا مثل خبر الصرف، قال فيه ثم إنه رجع عنه يعني ابن عباس. اهـ (٤).

وقد ساق في الباب الذي أورد فيه ذلك، وهو باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث آثارا عن سائر أصحاب ابن عباس بخلاف ما ذكر عن طاوس وعكرمة حيث قال: حدثنا حميد بن مسعدة، نا إسماعيل أنا أيوب، عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق مرأته ثلاثا، قال فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس


(١) الناسخ والمنسوخ ٧١.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٣٠
(٣) سنن أبي داود بشرح عون المعبود ٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
(٤) سنن أبي داود بشرح عون المعبود: ٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧.