للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا ابن عباس وإن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (١)، وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، وإن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (٢)، قال أبو داود: روى هذا الحديث حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن ابن عباس، ورواه شعبة عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وأيوب وابن جريج جميعا عن عكرمة بن خالد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وابن جريج، عن عبد الحميد بن رافع عن عطاء عن ابن عباس، ورواه الأعمش عن مالك بن الحارث، عن ابن عباس وابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قالوا في الطلاق الثلاث: إنه أجازها، قال: وبانت منك، نحو حديث إسماعيل عن أيوب عن عبد الله بن كثير. . اهـ.

وقال الباجي بخصوص ما نقل عن ابن عباس من فتواه بأن الثلاث بفم واحد واحدة (٣) ما نصه: " قد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الإجماع " اهـ.

وأما ما نقله أبو جعفر أحمد بن محمد بن مغيث الطليطلي عن ابن وضاح، من أن علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم - قد أفتوا بأن من طلق ثلاثا في كلمة واحدة لا يلزمه سوى طلقة واحدة، فيتوقف الاستدلال به على ثبوت السند إليهم بذلك، ولم يثبت.

وقد تعقبه أبو بكر بن العربي في كتابه الناسخ والمنسوخ ونقله عنه ابن القيم قال (٤) قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (٥) " زل قوم في آخر الزمان فقالوا: إن الطلاق الثلاث في كلمة واحدة لا يلزم وجعلوه واحدة، ونسبوه إلى السلف الأول فحكوه عن علي والزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وابن عباس، وعزوه إلى الحجاج بن أرطأة الضعيف المنزلة المغموز المرتبة ورووا في ذلك حديثا ليس له أصل، وغوى قوم من أهل المسائل فتتبعوا الأهواء المبتدعة فيه وقالوا: إن قوله: أنت طالق ثلاثا كذب؛ لأنه لم يطلق ثلاثا كما لو قال: طلقت ثلاثا ولم يطلق إلا واحدة وكما لو قال: أحلف ثلاثا كانت يمينا واحدة، ومر أبو بكر بن العربي إلى أن قال: وما نسبوه إلى الصحابة كذب بحت لا أصل له في كتاب ولا في رواية له عن أحد وقد أدخل مالك في موطئه عن علي أن الحرام ثلاث لازمة في كلمة فهذا في معناها فكيف إذا صرح بها، وأما حديث الحجاج بن أرطأة فغير مقبول في الملة ولا عند أحد من الأئمة.

قال ابن العربي لم يعرف في هذه المسألة خلاف إلا عن قوم انحطوا عن رتبة التابعين وقد سبق العصران الكريمان بالاتفاق على لزوم الثلاث، فإن رووا ذلك عن أحد منهم فلا تقبلوا منهم إلا ما يقبلون منكم، نقل العدل عن العدل ولا تجد هذه المسألة منسوبة إلى أحد من السلف أبدا. اهـ.


(١) سورة الطلاق الآية ٢
(٢) سورة الطلاق الآية ١
(٣) المنتقى ٤/ ٤.
(٤) مختصر سنن أبي داود ومعه التهذيب والمعالم ج٣ ص١٢٨.
(٥) سورة البقرة الآية ٢٢٩