وقد ذكر ابن القيم ذلك في إغاثة اللهفان ص١٧٩ بقوله:" لعله إحدى الروايتين عنهم، وإلا فقد صح بلاشك عن ابن مسعود وعلي وابن عباس الإلزام بالثلاث إن أوقعها جملة، وصح عن ابن عباس أنه جعلها واحدة ولم نقف على نقل صحيح عن غيرهم، من الصحابة بذلك؛ فلذلك لم نعد ما حكي عنهم في الوجوه المبينة للنزاع، وإنما نعد ما وقفنا عليه في مواضعه ونعزوه إليها، وبالله التوفيق " اهـ كلام ابن القيم.
وقال البيهقي في السنن الكبرى في عزو ذلك إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - (١) أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني، أنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، ثنا محمد بن عبد الوهاب بن هشام نا علي بن سلمة اللبقي، ثنا أبو أسامة عن الأعمش قال: كان بالكوفة شيخ يقول سمعت علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة والناس عنقا واحدا إذ ذلك يأتونه ويسمعون منه، قال فأتيته فقرعت عليه الباب فخرج إلي شيخ فقلت له: كيف سمعت علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - يقول: فيمن طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد؟ قال سمعت علي بن أبي طالب يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فإنه يرد إلى واحدة، قال فقلت له: أين سمعت هذا من علي - رضي الله تعالى عنه -؟ قال: أخرج إليك كتابا فأخرج فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما سمعت علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - يقول: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس واحد فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره. قال: فقلت ويحك هذا غير الذي تقول، قال: الصحيح هو هذا، ولكن هؤلاء أرادوني على ذلك " اهـ.
وأما ما روى أبو يعلى عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - من قوله: " ما ندمت على شيء ندامتي على ثلاث: أن لا أكون حرمت الطلاق " إلخ فلا يصح الاحتجاج به على أن عمر قد ندم آخر حياته على إمضاء الثلاث لأمرين:
أحدهما: أن يزيد بن أبي مالك لم يدرك عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وقد قال الحافظ الذهبي في " ميزان الاعتدال " في يزيد بن أبي مالك: صاحب تدليس وإرسال عمن لم يدرك، وذكره الحافظ ابن حجر في " تعريف أهل التقديس بالموصوفين بالتدليس " وقال - وصفه أبو مسهر بالتدليس.
الثاني: أن خالد بن يزيد بن أبي مالك وهاه ابن معين، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال النسائي: غير ثقة، وقال الدارقطني: ضعيف، وقال ابن عدي عن ابن أبي عصمة عن أحمد بن أبي يحيى: سمعت أحمد بن حنبل يقول: خالد بن يزيد بن أبي مالك ليس بشيء، وقال ابن أبي الحواري سمعت ابن معين يقول بالعراق: كتاب ينبغي أن يدفن: كتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه