للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل لو قيل بالمساواة المطلقة لترتب على ذلك أمور لا يطيقها البشر، ولأدى بالناس إلى إهمال مواهبهم وإهدار طاقاتهم، وذلك فساد قبيح ظاهر يئول إلى اختلال نظام العالم في إلغاء المميزات والحقوق التي تقود إلى البناء والإصلاح وتقدم العالم، وانهيار الشيوعية الذي نشهده هذه الأيام برهان ماثل لأهل العقل والحكمة.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن التفاوت في المواهب واستغلالها وطريقة الاستفادة منها يترتب عليه تفاوت مادي فيما يستحقه كل صاحب موهبة، يفيد منها أهله ومجتمعه. ومن أجل هذا برز الترتيب الوظيفي في رؤساء المصالح ومديريها ومن دونهم.

والشريعة الإسلامية - وتمشيا مع الفطرة السليمة - لا يمكن أن تدعو إلى مساواة تلغى فيها هذه الفروق الفردية والمواهب الشخصية والتمايز الموجود بين بني الإنسان، مما له أثر في صلاح العالم أفرادا ومجموعات، وذلك الصلاح والإصلاح هو غاية الشريعة ومقصدها.

إذن هذا هو التفاوت المؤثر والمقتضي للمنع من المساواة عند وجوده.

أما التمايز بسبب الجنس أو اللون أو اللغة فهو غير مؤثر في شريعة الإسلام ألبتة، لكنه مشار إليه في الشريعة على أنه آية من آيات الله الدالة على عظمته وكمال قدرته واستحقاقه للعبادة سبحانه.

ولهذا النوع من التمايز وظيفة أخرى نبه إليها دين الإسلام، وهي وظيفة التعارف والتآلف، وفي النص القرآني الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (١)

يؤكد ذلك في دين الإسلام أنه من المتقرر عند المسلمين أن الله لم يخلق شعبا فوق الشعوب، ولم يميز قوما على قوم، وقيمة الإنسان عند الله وعند الناس ما يحسنه ويقوم به من عمل صالح وجهد طيب في طاعة الله واتباع أمره وهو


(١) سورة الحجرات الآية ١٣