للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الكبيرة الخائف أحسن حالا منه، فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى: (المرتبة الخامسة) وهي: انشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب بل عاقبتها فوات الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها، فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة، وكان حافظا لوقته شحيحا به، يعلم أنه مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله إلى: (المرتبة السادسة) وهي أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه إذا تضمن ترك ما هو أفضل منه، وقل من يتنبه لهذا من الناس فإنه إذا رأى فيه داعيا قويا إلى نوع من الطاعة فإنه لا يكاد (١) يقول هذا الداعي من الشيطان فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير (٢) ولم يعلم أن الشيطان يأمره بسبعين بابا من أبواب الخير، إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين بابا، وأجل، وأفضل.

وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول، وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله، وأحبها إليه، وأنفعها للعبد، وأعمها نصيحة لله، ولرسوله ولكتابه، ولعباده المؤمنين، خاصتهم وعامتهم، وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك لا يخطر بقلوبهم (٣).

فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست سلط عليه حزبه من


(١) أي يستبعد أن يكون هذا من وسوسة الشيطان لجهله أن الشيطان قد يأمر بخير لتفويت أعظم منه فضلا.
(٢) في المخطوطة (خيرا) وصححته من تفسير المعوذتين لابن القيم.
(٣) في المخطوطة (محجوبون، ذلك لا يخطر بقلوبهم).