للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة المحافظة على الأشجار والبساتين من قبل أهلها، ومن قبل أصحاب الماشية ليلا ونهارا.

عن حرام بن سعد بن محيصة الأنصاري، عن أبيه عن البراء بن عازب «أنه كانت له ناقة ضارية فدخلت حائطا فأفسدت فيه فكلم رسول صلى الله عليه وسلم فيها فقضى بأن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها (١)» قال الخطابي رحمه الله: " يشبه أن يكون إنما فرق بين الليل والنهار في هذا لأن في العرف أن أصحاب الحوائط، والبساتين يحفظونها بالنهار، ويوكلون بها الحفاظ والنواطير، ومن عادة أصحاب المواشي أن يسرحوها بالنهار ويردوها مع الليل، فمن خالف هذه العادة كان به خارجا عن رسوم الحفظ إلى حدود التقصير والتضييع " (٢).

ومن فضل الزراعة والعمل في الأرض الاشتغال عن الناس، والتنزه عن عيوبهم والبعد عن قيلهم وقالهم، خاصة إذا كان الإنسان ممن لا يملك القدرة على الإصلاح والإنكار، قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره: (إن الاشتغال بالعمل فيها - أي الأرض - والاستغناء عن الناس بما يحصل فيها من القرب العظيمة، مع ما في ذلك من الاشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي - لا سيما في مثل هذا الزمان - سم قاتل، وشغل عن الله شاغل، وذلك إذا لم يكن في الإقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد (٣).

ومن فضل الزراعة أن الأجر يحصل للغارس والزارع، وإن لم يقصدا ذلك حتى لو غرس وباعه، أو زرع وباع ذلك الزرع كان له بذلك صدقة لتوسعته على الناس في أقواتهم كما روي في حصول الأجر للجالب، وإن كان


(١) أخرجه أبو داود في السنن (البيوع ٣/ ٨٢٩ - ٨٣٠) من طريقين مرفوعا، وأخرجه مالك في الموطأ (الأقضية ٢/ ٧٤٧) مرسلا.
(٢) الخطابي، معالم السنن، (٣/ ٨٢٩).
(٣) الشوكاني، فتح القدير (٥/ ٣١٣).