للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد كان جرير سيد قومه في الجاهلية والإسلام (١)، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل عليه جرير: «إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه (٢)».

وكان مؤمنا حقا، لم يبدل ولم يغير منذ آمن بالله ورسوله، وقد أخلص للدعوة مجاهدا وداعيا وسفيرا، وسهر على مصالح رعيته حين أصبح واليا، فلما نشب القتال بين المسلمين أيام الفتنة الكبرى وأصبحت سيوف المسلمين عليهم لا على أعدائهم، لم يلطخ يده بدماء المسلمين ولا ضميره بكرههم، بل سعى جاهدا لجمع كلمة الأمة، فلما أخفق في مهمته لا بتقصير منه، بل لأن التيار كان جارفا لا يقوى أي فرد على الوقوف أمامه، ترك الدنيا وما فيها، واعتزل الفتن منزويا في عقر داره في (قرقيسياء).

وكان شاعرا خطيبا لسنا، فقد قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عند سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال له عمر: " كيف تركت سعدا في ولايته؟ فقال: تركته أكرم الناس مقدرة، وأحسنهم معذرة، هو كالأم البرة، يجمع لها كما تجمع الذرة (٣)، مع أنه ميمون الأثر، مرزوق الظفر، أشد الناس عند البأس، وأحب قريش إلى الناس (٤).

قال عمر: (فأخبرني عن الناس فقال جرير: هم كسهام الجعبة (٥)، منها القائم الرائش (٦) ومنها العضل (٧) الطائش، وابن أبي وقاص ثقافها (٨)، يغمر عضلها، ويقيم ميلها، والله أعلم بالسرائر يا عمر. قال: " أخبرني


(١) الاستيعاب (١/ ٢٣٨).
(٢) الإصابة (١/ ٢٤٢)، وأسد الغابة (١/ ٢٧٩)، والاستيعاب (١/ ٢٣٧).
(٣) الذر: صغار النمل، واحدته ذرة.
(٤) الاستيعاب (١/ ٢٣٩).
(٥) الجعبة: وعاء السهام والنبال.
(٦) الرائش: ذو الريش، إشارة إلى كماله واستقامته.
(٧) العضل من السهام: المعرج
(٨) الثقاف: أداة من خشب أو حديد تثقف بها الرماح لتستوي وتعتدل