للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى العراق، باعتبار عرفجة قد خالطهم وعاش بين ظهرانيهم ردحا طويلا، ولكن جريرا غضب وقال لبجيلة: كلموا أمير المؤمنين، فقالوا لعمر: استعملت علينا رجلا ليس منا، فأرسل إلى عرفجة، وقال له: ما يقول هؤلاء؟ قال: صدقوا أمير المؤمنين لست منهم، ولكنني من الأزد، كنا أصبنا في الجاهلية دما من قومنا، فلحقنا ببجيلة، فبلغنا فيهم من السؤدد ما بلغك، فقال عمر: فاثبت على منزلتك فدافعهم كما يدافعونك، فقال: لست فاعلا ولا سائرا معهم فأمر عمر جريرا على بجيلة، فسار بهم إلى العراق (١).

وكان شهما كريما وفيا جمع صفات العربي الأصيل ومزايا خلق المسلم الصادق، فلا عجب أن يكون نموذجا كاملا للمؤمن المجاهد الصابر المحتسب، الذي يبذل غاية جهده لخدمة عقيدته وأمته في السلم والحرب، ولا عجب أن يستحوذ على إعجاب الناس بمزاياه، فيقول فيه أحد الشعراء مرددا صدى إعجاب الناس بسجاياه الكريمة:

لولا جرير هلكت بجيله ... نعم الفتى وبئست القبيله

فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما مدح من هجا قومه (٢).

ولست أشك في أن الشاعر لم يرد هجاء بجيلة نظرا لماضيها المشرف، ولكنه أراد أن يبرز أثر جرير الشخصي في رفع منزلة بجيلة ومكانتها بين القبائل العربية الأخرى، وإلا لكان هجاء بجيلة يغضب أول من يغضب جريرا قبل غيره من أفراد بجيلة.

لقد كان مخلصا لكل مسلم بدون استثناء، قال جرير: - كما في البخاري ومسلم -: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح


(١) الطبري (٣/ ٤٦٢ - ٤٦٣).
(٢) الاستيعاب (١/ ٢٧٨).