للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن القيم

حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الزوجين يقع الشقاق بينهما.

روى أبو داود في سننه من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - «" أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شماس. فضربها فكسر بعضها، فأتت النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - بعد الصبح. فدعا النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ثابتا فقال " خذ بعض مالها وفارقها " فقال: ويصلح ذلك يا رسول الله؟ قال: " نعم " قال: فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها، فقال النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم: " خذهما وفارقها " ففعل (١)».

وقد حكم الله بين الزوجين يقع الشقاق بينهما بقوله تعالى {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (٢) وقد اختلف السلف والخلف في الحكمين: هل هما حاكمان أو وكيلان؟ على قولين:

أحدهما أنهما وكيلان وهو قول أبي حنيفة والشافعي في قول وأحمد في رواية.

الثاني أنهما حاكمان. وهذا قول أهل المدينة، ومالك، وأحمد في الرواية الأخرى والشافعي في القول الآخر. وهذا هو الصحيح.

والعجب كل العجب ممن يقول: هما وكيلان، لا حاكمان، والله تعالى قد نصبهما حكمين، وجعل نصبهما إلى غير الزوجين. ولو كانا وكيلين لقال فليبعث وكيلا من أهله ولتبعث وكيلا من أهلها، وأيضا: فلو كانا وكيلين لم يختصا بأن يكونا من الأهل. وأيضا: فإنه جعل الحكم إليهما، فقال تعالى {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (٣) والوكيلان لا إرادة لهما إنما يتصرفان بإرادة موكليهما، وأيضا: فإن الوكيل لا يسمى حكما في لغة القرآن، ولا في لسان الشارع، ولا في العرف العام ولا الخاص وأيضا: فالحكم من له ولاية الحكم والإلزام، وليس للوكيل شيء من ذلك. وأيضا: فإن الحكم أبلغ من حاكم لأنه صفة مشبهة باسم الفاعل دالة على الثبوت. ولا خلاف بين أهل العربية في ذلك.

فإذا كان الحاكم لا يصدق على الوكيل المحض فكيف بما هو أبلغ منه؟ وأيضا: فإنه سبحانه وتعالى خاطب بذلك غير الزوجين، وكيف يصح أن يوكل على الرجل والمرأة غيرهما؟ وهذا يحوج إلى تقدير الآية هكذا: وإن خفتم شقاق بينهما: فمروهما أن يوكلا وكيلين: وكيلا من أهله ووكيلا من أهلها. ومعلوم


(١) سنن أبو داود الطلاق (٢٢٢٨).
(٢) سورة النساء الآية ٣٥
(٣) سورة النساء الآية ٣٥