٣ - أن المحاولة مبنية على افتراض أن الحكمة من تحريم الربا منع استغلال الفقير، وأن هذه الحكمة منتفية في قروض الإنتاج، فينبغي أن ينتفي التحريم. إن هذا الافتراض مبني على تصور مخالف للقاعدة الأصولية؛ فأين الدليل على أن ما ذكر هو كل الحكمة من تحريم الربا؟ ولو فرضنا أن هذا هو كل الحكمة من تحريم الربا فإن القاعدة الأصولية أن الأحكام تدور مع العلة لا مع الحكمة؛ فمثلا الحكمة من قصر الصلاة في السفر -كما قيل- منع المشقة عن المصلي، ولكن وجود هذا الأمر في غير حالات السفر لا يبيح القصر، فلا يجوز للمريض قصر الصلاة، ولو كان إتمامها يشق عليه أكثر من المسافر، ويباح قصر الصلاة للمسافر، ولو انتفت المشقة كما في حالة المترفه في سفره.
إن القول بأن الحكمة من تحريم الربا منع استغلال الفقير، فإذا انتفى الاستغلال جاز الربا، هو تماما مثل أن يقول قائل: إن الحكمة من تحريم الزنا هو حفظ النسب، فإذا انتفى ضياع النسب بالزنا كما في حالة التعقيم انتفى التحريم.
٤ - أن هذا السبب المزعوم لتحريم الربا، وهو منع استغلال حاجة الفقير لا يدور وجودا وعدما مع كون القرض الربوي قرض إنتاج أو استهلاك، فاستغلال الحاجة منتف في بعض القروض الاستهلاكية، كما في اقتراض الثري لشراء يخت للنزهة مثلا، وهو هنا قرض مستهلك، واستغلال الحاجة موجود في بعض القروض الإنتاجية حالة اقتراض الحرفي الفقير لشراء ورشة يستغلها لكسب عيشه، وهو هنا قرض إنتاج.
٥ - لو سلم جدلا بأن الحكمة هي مناط الحكم، فمن قال أن كل الحكمة في تحريم الربا هي منع استغلال المقرض لحاجة المقترض؛ أي منع الأثر الضار في جانب المقترض؟ ألا يمكن أن يكون من الحكمة منع الأثر الضار للربا على المقرض؟ إن الآية الكريمة -في الواقع- أشارت إلى هذا الضرر بالنص على أن المقرض الذي يأكل الربا يقوم كما يقوم الذي